فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) وقوله «فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا» (١) «من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر (٢)» لأن من كان مصدقا ومات وهو لم يحدث نفسه بالتوبة ، حاله قريبة من حال الكافر ، لأنه لا يجترئ على ذلك إلا قلب مصمت.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)(١٩)
كانوا يبلون النساء بضروب من البلايا ويظلمونهن بأنواع من الظلم ، فزجروا عن ذلك : كان الرجل إذا مات له قريب من أب أو أخ أو حميم (٣) عن امرأة ، ألقى ثوبه عليها وقال أنا أحق بها من كلّ أحد (٤) ، فقيل (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) أى أن تأخذوهن على سبيل الإرث كما تحاز المواريث وهن كارهات لذلك : أو مكرهات. وقيل : كان يمسكها حتى تموت ، فقيل : لا يحل لكم أن تمسكوهنّ حتى ترثوا منهنّ وهنّ غير راضيات بإمساككم. وكان الرجل إذا تزوّج امرأة ولم تكن من حاجته حبسها مع سوء العشرة والقهر ، لتفتدى منه بمالها وتختلع ، فقيل : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهنّ. والعضل : الحبس والتضييق. ومنه : عضلت المرأة بولدها ، إذا اختنقت رحمها به فخرج بعضه وبقي بعضه (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) وهي النشوز وشكاسة الخلق وإيذاء الزوج وأهله بالبذاء والسلاطة ، أى إلا أن يكون سوء العشرة من جهتهن فقد عذرتم في طلب الخلع. ويدل عليه قراءة أبىّ : إلا أن يفحشن عليكم. وعن الحسن : الفاحشة الزنا ، فإن فعلت حلّ لزوجها أن يسألها الخلع. وقيل : كانوا إذا أصابت امرأة فاحشة أخذ منها ما ساق إليها وأخرجها. وعن أبى قلابة ومحمد بن سيرين : لا يحل الخلع حتى يوجد رجل على بطنها. وعن قتادة : لا يحل أن يحبسها ضراراً حتى تفتدى منه ، يعنى وإن زنت. وقيل : نسخ ذلك بالحدود ، وكانوا يسيئون معاشرة النساء فقيل لهم (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وهو النصفة في
__________________
(١) تقدم في الكلام على آية الحج في آل عمران.
(٢) تقدم في البقرة.
(٣) قوله «أخ حميم» في الصحاح «حميمك» قريبك الذي تهتم لأمره. (ع)
(٤) قال محمود : «كان الرجل إذا مات له قريب ألقى ثوبه على امرأته وقال أنا أحق بها من كل أحد ... الخ» قال أحمد : وخص تعالى ذكر من آتى القنطار من المال بالنهى ، تنبيها بالأعلى على الأدنى ، لأنه إذا كان هذا على كثرة ما بذل لامرأته من الأموال منهياً عن استعادة شيء يسير حقير منها على هذا الوجه ، كان من لم يبذل إلا الحقير منهياً عن استعادته بطريق الأولى. ومعنى قوله : (وَآتَيْتُمْ) والله أعلم : وكنتم آتيتم ، إذ إرادة الاستبدال في ظاهر الأمر واقعة بعد إيتاء المال واستقرار الزوجية.