اتفقوا على أن تحريم أمهات النساء مبهم دون تحريم الربائب ، على ما عليه ظاهر كلام الله تعالى وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها أنه قال «لا بأس أن يتزوج ابنتها ، ولا يحل له أن يتزوج أمها» (١) وعن عمر وعمران بن الحصين رضى الله عنهما : أن الأم تحرم بنفس العقد. وعن مسروق : هي مرسلة فأرسلوا ما أرسل الله. وعن ابن عباس : أبهموا ما أبهم الله ، إلا ما روى عن على وابن عباس وزيد وابن عمر وابن الزبير : أنهم قرءوا : وأمّهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن. وكان ابن عباس يقول : والله ما نزل إلا هكذا. وعن جابر روايتان. وعن سعيد بن المسيب عن زيد : إذا ماتت عنده فأخذ ميراثها ، كره أن يخلف على أمّها. وإذا طلقها قبل أن يدخل بها فإن شاء فعل : أقام الموت مقام الدخول في ذلك ، كما قام مقامه في باب المهر. وسمى ولد المرأة من غير زوجها ربيبا وربيبة ، لأنه يربهما كما يرب ولده في غالب الأمر ، ثم اتسع فيه فسميا بذلك وإن لم يربهما. فإن قلت : ما فائدة قوله في حجوركم (٢)؟ قلت : فائدته التعليل للتحريم ، وأنهن لاحتضانكم لهن أو لكونهن بصدد احتضانكم ، وفي حكم التقلب في حجوركم إذا دخلتم بأمّهاتهن ، وتمكن بدخولكم حكم الزواج وثبتت الخلطة والألفة ، وجعل الله بينكم المودة والرحمة ، وكانت الحال خليقة بأن تجروا
__________________
ـ الاتصال ، فيستقيم تعلقها بهما. وقد نقل ذلك عن ابن عباس مذهبا. ونقل أيضا قراءة عن على وابن عباس وزيد وابن عمر وابن الزبير : وأمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن. وكان ابن عباس يقول : والله ما نزل إلا هكذا انتهى نقل الزمخشري. والقول المشهور عن الجمهور إبهام تحريم المرأة ، ويقيد تحريم الربيبة بدخول الأم كما هو ظاهر الآية.
ولهذا الفرق سر وحكمة ، وذلك لأن المتزوج بابنة المرأة لا يخلو بعد العقد وقبل الدخول من محاورة بينه وبين أمها ومخاطبات ومساورات ، فكانت الحاجة داعية إلى تنجيز التحريم ليقطع شوقه من الأم فيعاملها معاملة ذوات المحارم ، ولا كذلك العاقد على الأم ، فانه بعيد عن مخاطبة ابنتها قبل الدخول بالأم ، فلم تدع الحاجة إلى تعجيل نشر الحرمة.
وأما إذا وقع الدخول بالأم فقد وجدت مظنة خلطة الربيبة ، فحينئذ تدعو الحاجة إلى نشر الحرمة بينهما ، والله أعلم.
(١) أخرجه أبو قرة موسى بن طارق الزبيدي في السنن قال ذكر المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. رفعه «أيما رجل نكح امرأة فدخل بها فلا يحل له نكاح ابنتها. وان لم يكن دخل بها فلينكح ابنتها. وأيما رجل نكح امرأة فدخل بها أو لم يدخل فلا يحل له نكاح أمها» وأخرجه أبو يعلى والبيهقي من طريق ابن مبارك عن المثنى به. والمثنى ضعيف لكن رواه الترمذي والبيهقي أيضا من طريق ابن لهيعة عن عمرو به وقال : لا يصح ، وإنما يرويه المثنى وابن لهيعة وهما ضعيفان. انتهى. ويشبه أن يكون ابن لهيعة أخذه عن المثنى لأن أبا حاتم قال لم يسمع ابن لهيعة من عمرو بن شعيب شيئا. فلهذا لم يرتق هذا الحديث إلى درجة الحسن.
(٢) عاد كلامه. قال : «فان قلت ما فائدة قوله في حجوركم ... الخ» قال أحمد : وهذا مما قدمته من تخصيص أعلى صور المنهي عنه بالمنهى ، فان النهى عن نكاح الربيبة المدخول بأمها عام في جميع الصور ، سواء كانت في حجر الزوج أو بائنة عنه في البلاد القاصية ، ولكن نكاحه لها وهي في حجره أقبح الصور والطبع عنها أنفر ، فخصت بالنهى لتساعد الجبلة على الانقياد لأحكام الملة ، ثم يكون ذلك تدريبا وتدريجا إلى استقباح المحرم في جمع صوره ، والله أعلم.