النِّساءِ) ولأن تحريم نكاحهن هو الذي يفهم من تحريمهن ، كما يفهم من تحريم الخمر تحريم شربها ، ومن تحريم لحم الخنزير تحريم أكله. وقرئ (وبنات الأخت) بتخفيف الهمزة. وقد نزل الله الرضاعة منزلة النسب ، حتى سمى المرضعة أمّا للرضيع ، والمراضعة أختا ، وكذلك زوج المرضعة أبوه وأبواه جداه ، وأخته عمته ، وكل ولد ولد له من غير المرضعة قبل الرضاع وبعده فهم إخوته وأخواته لأبيه ، وأم المرضعة جدّته ، وأختها خالته ، وكل من ولد لها من هذا الزوج فهم إخوته وأخواته لأبيه وأمه ، ومن ولد لها من غيره فهم إخوته وأخواته لأمه. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (١) وقالوا : تحريم الرضاع كتحريم النسب إلا في مسألتين : إحداهما أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج أخت ابنه من النسب ويجوز أن يتزوّج أخت ابنه من الرضاع ، لأن المانع في النسب وطؤه أمها. وهذا المعنى غير موجود في الرضاع والثانية : لا يجوز أن يتزوج أم أخيه من النسب ، ويجوز في الرضاع ، لأن المانع في النسب وطء الأب إياها ، وهذا المعنى غير موجود في الرضاع (مِنْ نِسائِكُمُ) متعلق بربائبكم. ومعناه أن الربيبة من المرأة المدخول بها محرمة على الرجل حلال له إذا لم يدخل بها. فإن قلت : هل يصح أن يتعلق بقوله (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ)؟ قلت : لا يخلو إمّا أن يتعلق بهن وبالربائب ، فتكون حرمتهن وحرمة الربائب غير مبهمتين جميعاً. وإما أن يتعلق بهن دون الربائب ، فتكون حرمتهنّ غير مبهمة وحرمة الربائب مبهمة ، فلا يجوز الأوّل ، لأن معنى «من» مع أحد المتعلقين ، خلاف معناه مع الآخر. ألا تراك أنك إذا قلت : وأمّهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهنّ فقد جعلت «من» لبيان النساء ، وتمييز المدخول بهنّ من غير المدخول بهنّ. وإذا قلت وربائبكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهنّ فإنك جاعل «من» لابتداء الغاية ، كما تقول : بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة ، وليس بصحيح أن يعنى بالكلمة الواحدة في خطاب واحد معنيان مختلفان. ولا يجوز الثاني لأن ما يليه هو الذي يستوجب التعليق به ، ما لم يعترض أمر لا يرد ، إلا أن تقول : أعلقه بالنساء والربائب ، وأجعل «من» للاتصال ، كقوله تعالى : (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) فإنى لست منك ولست منى. ما أنا من دد ولا الدد منى : وأمهات النساء متصلات بالنساء لأنهنّ أمهاتهنّ (٢) كما أن الربائب متصلات بأمهاتهن لأنهنّ بناتهنّ. هذا وقد
__________________
(١) متفق عليه من حديث عائشة وابن عباس.
(٢) عاد كلامه. قال : «ولا يجوز الثاني لأن ما يليه هو الذي يستوجب التعليق به ما لم يعترض أمر لا يرد إلا أن تقول : أعلقه بالنساء والربائب ، وأجعل من للاتصال ، كقوله تعالى : (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) فانى لست منك ولست منى. ما أنا من دد ولا الدد منى. وأمهات النساء متصلات بالنساء لأنهن ... الخ» قال أحمد : يعنى أن لهذا الاعراب وجها في الصحة ، وتكون «من» على هذا مستعملة في معنى واحد من معانيها وهو ـ