النكاح هو الوطء ، فله أن ينكح أمة. وفي رواية عن ابن عباس أنه قال : ومما وسع الله على هذه الأمّة نكاح الأمة واليهودية والنصرانية وإن كان موسراً. وكذلك قوله (مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) الظاهر أن لا يجوز نكاح الأمة الكتابية ، وهو مذهب أهل الحجاز. وعند أهل العراق يجوز نكاحها ، ونكاح الأمة المؤمنة أفضل ، فحملوه على الفضل لا على الوجوب ، واستشهدوا على أن الإيمان ليس بشرط بوصف الحرائر به ، مع علمنا أنه ليس بشرط فيهن على الاتفاق ، ولكنه أفضل. فإن قلت : لم كان نكاح الأمة منحطا عن نكاح الحرة؟ قلت : لما فيه من اتباع الولد الأم في الرق ، ولثبوت حق المولى فيها وفي استخدامها ، ولأنها ممتهنة مبتذلة خراجة ولاجة وذلك كله نقصان راجع إلى الناكح ومهانة ، والعزة من صفات المؤمنين. وقوله (مِنْ فَتَياتِكُمُ) أى من فتيات المسلمين ، لا من فتيات غيركم وهم المخالفون في الدين. فإن قلت : فما معنى قوله (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ)؟ قلت : معناه أن الله أعلم بتفاضل ما بينكم وبين أرقائكم في الإيمان ورجحانه ونقصانه فيهم وفيكم ، وربما كان إيمان الأمة أرجح من إيمان الحرة ، والمرأة أفضل في الإيمان من الرجل وحق المؤمنين أن لا يعتبروا إلا فضل الإيمان لا فضل الأحساب والأنساب ، وهذا تأنيس بنكاح الإماء وترك الاستنكاف منه (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) أى أنتم وأرقاؤكم متواصلون متناسبون لاشتراككم في الإيمان ، لا يفضل حر عبداً إلا برجحان فيه (بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ) اشتراط لإذن الموالي في نكاحهن (١). ويحتج به لقول أبى حنيفة أن لهن أن يباشرن العقد بأنفسهن ، لأنه اعتبر إذن الموالي لا عقدهم (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وأدّوا إليهن مهورهن بغير مطل وضرار وإحواج إلى الاقتضاء واللز. فإن قلت : الموالي هم ملاك مهورهن لا هن ، والواجب أداؤها إليهم لا إليهن ، فلم قيل : وآتوهن؟ قلت : لأنهن وما في أيديهن مال الموالي ، فكان أداؤها إليهن أداء إلى الموالي. أو على أن أصله : فآتوا مواليهن ، فحذف المضاف (الْمُحْصَناتِ) عفائف. والأخدان : الأخلاء في السرّ ، كأنه قيل : غير مجاهرات بالسفاح ولا مسرات له (فَإِذا أُحْصِنَ) بالتزويج. وقرئ : أحصن (نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ) أى الحرائر (مِنَ الْعَذابِ) من الحدّ كقوله : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما) و (يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ) ولا رجم عليهن ، لأن الرجم لا يتنصف (ذلِكَ) إشارة إلى نكاح الإماء (لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ) لمن خاف الإثم الذي يؤدى إليه غلبة الشهوة. وأصل العنت : انكسار العظم بعد الجبر ، فاستعير لكل مشقة وضرر ، ولا ضرر أعظم من مواقعة المآثم. وقيل : أريد به الحدّ ، لأنه إذا هويها خشي أن يواقعها فيحدّ فيتزوجها
__________________
(١) قال محمود : «هذا اشتراط لاذن الموالي في نكاحهن ... الخ» قال أحمد : وليس في الآية اشتراط إذن المولى لمن يتولى عقد نكاح أمته ، ومتولى العقد ومباشرته مسكوت عنه في الآية ، فيحمل على إذنه لوكيله في العقد على أمته ، ولا يلزم أن تكون الأمة هي المباشرة ، ولا دليل في الآية على ذلك ، والله أعلم.