وقرئ : مرغما. وقرئ (ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ) بالرفع (١) على أنه خبر مبتدأ محذوف. وقيل : رفع الكاف منقول من الهاء كأنه أراد أن يقف عليها ، ثم نقل حركة الهاء إلى الكاف ، كقوله :
مِنْ عَنَزِيّ سَبَّنِى لَمْ أضْرِبْهُ (٢)
وقرئ (يُدْرِكْهُ) بالنصب على إضمار أن ، كقوله :
وَأَلْحَقُ بِالْحِجَازِ فَأَسْتَرِيحَا (٣)
(فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) فقد وجب ثوابه عليه : وحقيقة الوجوب : الوقوع والسقوط (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها) ووجبت الشمس : سقط قرصها. والمعنى : فقد علم الله كيف يثيبه وذلك واجب عليه (٤). وروى في قصة جندب بن ضمرة : أنه لما أدركه الموت أخذ يصفق بيمينه على شماله ثم قال : اللهم هذه لك ، وهذه لرسولك ، أبايعك على ما بايعك عليه رسولك. فمات حميدا فبلغ خبره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : لو توفى بالمدينة لكان أتم أجرا ، وقال المشركون وهم يضحكون : ما أدرك هذا ما طلب. فنزلت. وقالوا : كل هجرة لغرض دينى ـ من طلب علم ، أو حج ، أو جهاد ، أو فرار إلى بلد يزداد فيه طاعة أو قناعة وزهداً في الدنيا ، أو ابتغاء رزق طيب ـ فهي هجرة إلى الله ورسوله. وإن أدركه الموت في طريقه ، فأجره واقع على الله
__________________
ـ اسم المفعول ـ الطريق ، لأنه مكان المراغمة. واسم المكان من غير الثلاثي المجرد على زنة اسم المفعول منه ، وكمساجد جمعه. «والمذهب» روى بدله «المهرب» والثاني أخص. يشبه رجلا بالجبل في الالتجاء إليه والتحصن بجاهه.
(١) قال محمود : «قرئ يدركه برفع الكاف على أنه خبر مبتدأ محذوف ... الخ» قال أحمد : توجيه الرفع على إضمار المبتدأ فيه عطف الاسمية على الفعلية ، والأولى خلافه ما وجد عنه سبيل. وأما الوجه الثاني من إجراء الوصل مجرى الوقف ففيه شذوذ بين ، على أن الأفصح في الوقف خلاف نقل الحركة ، وقد زاد شذوذاً بإجراء الوصل مجرى الوقف ، فكيف وعندي وجه حسن خالص من الشذوذ مرتفع الذروة في الفصاحة ، وهو العطف على ما يقع موقع «من» مما يكون الفعل الأول معه مرفوعا ، كأنه قال : والذي يخرج من بيته مهاجراً ثم يدركه الموت وهو الذي ذكره الزمخشري عند قوله : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) فيمن قرأ بالرفع ، وقال ثم : هو وجه نحوى سيبوى ، وإجراؤه هاهنا أقرب وأصوب منه ثمة ، والله أعلم.
(٢) عجبت والدهر كثير عجبه |
|
من عنزي سبني لم أضربه |
قوله «والدهر كثير عجبه» جملة اعتراضية. والعنزي : نسبة لعنزة أبو حى من ربيعة. وقيل العنزي : القصير ، نسبة إلى العنزة ، وهي الرمح الصغير. والأصل سكون ياء أضربه للجزم ، ولكنها عاورت الهاء للوزن. ويروى يا عجبا والدهر كثر عجبه من عنزي.
(٣) سأترك منزلي لبنى تميم |
|
وألحق بالحجاز فاستريحا |
للمغيرة بن حنين الحنظلي ، وألحق كأكرم على الأفصح ، وكأفتح على لغة. ونصبه بتقدير «أن» وإن لم يكن في جواب شيء من الأشياء الثابتة المعروفة في النحو ، لأن المضارع قبله فيه معنى الأمر لنفسه ، أو رائحة التمني ، أو لأنه عطف على تعليل محذوف ، أى لأنجو منهم وألحق بالحجاز فأستريح من شر عشرتهم. ولو رفع لفات ذلك وكان إخبار باللحوق والاستراحة فقط ، لكن نص النحويون على أن النصب بعد الخبر المثبت الخالي من الشرط ضرورة ، وهذا منه.
(٤) قوله «يثيبه وذلك واجب عليه» هذا عند المعتزلة. أما عند أهل السنة فلا يجب عليه شيء. (ع)