كان لغيرهم فلا كلام فيه (فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا) يعنى غير المصلين (١) (مِنْ وَرائِكُمْ) يحرسونكم وصفة صلاة الخوف عند أبى حنيفة : أن يصلى الإمام بإحدى الطائفتين ركعة إن كانت الصلاة ركعتين ـ والأخرى بإزاء العدو ـ ثم تقف هذه الطائفة بإزاء العدو وتأتى الأخرى فيصلى بها ركعة ويتم صلاته. ثم تقف بإزاء العدوّ ، وتأتى الأولى فتؤدي الركعة بغير قراءة وتتم صلاتها ثم تحرس ، وتأتى الأخرى فتؤدي الركعة بقراءة وتتم صلاتها. والسجود على ظاهره عند أبى حنيفة. وعند مالك بمعنى الصلاة ، لأن الإمام يصلى عنده بطائفة ركعة ويقف قائما حتى تتم صلاتها وتسلم وتذهب ، ثم يصلى بالثانية ركعة ويقف قاعداً حتى تتم صلاتها ، ويسلم بهم. ويعضده (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ). وقرئ : وأمتعاتكم : فإن قلت : كيف جمع بين الأسلحة وبين الحذر في الأخذ (٢). قلت : جعل الحذر وهو التحرّز والتيقظ آلة يستعملها الغازي ، فلذلك جمع بينه وبين الأسلحة في الأخذ ، وجعلا مأخوذين. ونحوه قوله تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) جعل الإيمان مستقراً لهم ومتبوأ لتمكّنهم فيه فلذلك جمع بينه وبين الدار في التبوّء (فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ) فيشدون عليكم شدة واحدة. ورخص لهم في وضع الأسلحة إن ثقل عليهم حملها بسبب ما يبلهم في مطر أو يضعفهم من مرض ، وأمرهم مع ذلك بأخذ الحذر لئلا يغفلوا فيهجم عليهم العدو. فإن قلت : كيف طابق الأمر بالحذر قوله (إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً)؟ قلت : الأمر بالحذر من العدو يوهم توقع غلبته واعتزازه ، فنفى عنهم ذلك الإيهام بإخبارهم أنّ الله يهين عدوهم ويخذله وينصرهم عليه ، لتقوى قلوبهم ، وليعلموا أن الأمر بالحذر ليس لذلك ، وإنما هو تعبد من الله كما قال : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ). (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ) فإذا صليتم في حال الخوف والقتال (فَاذْكُرُوا اللهَ) فصلوها (قِياماً) مسايفين ومقارعين (وَقُعُوداً) جاثين على الركب مرامين (وَعَلى جُنُوبِكُمْ) مثخنين بالجراح (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) حين تضع الحرب أوزارها وأمنتم (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) فاقضوا ما صليتم في تلك الأحوال التي هي أحوال القلق والانزعاج (إِنَّ الصَّلاةَ
__________________
(١) عاد كلامه. قال «والمراد بقوله فليكونوا من ورائكم غير المصلين» قال أحمد : والظاهر أن معنى السجود هاهنا الصلاة. وقد عبر عنها بالسجود كثيراً والمراد : فإذا صلت الطائفة أى أتمت صلاتها ، فليكونوا من ورائكم. وفيه دليل لمشهور مذهب مالك من أن الطائفة الأولى تتم صلاتها والامام منتظر للطائفة الأخرى. وقوله : (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى) يعنى إذا أتمت الأولى صلاتها ووقفت من ورائكم ، فلتأت الطائفة الأخرى التي لم تصل بعد شيئا فليصلوا معك. وفيه دليل بين أيضاً لأحد القولين في مذهب مالك ، من أن الامام ينتظر الثانية حتى تتم صلاتها ويسلم بهم ، لأن ظاهر المعية المطلقة يوجب ذلك ، إذ لو كانوا يقضون بعد سلامه لم يكونوا مصلين معه على الإطلاق ، والله أعلم. فهذه الآية منطبقة على أكثر مشهور مذهبه في تفاصيل صلاة الخوف ، والله الموفق للصواب.
(٢) عاد كلامه. قال «فان قلت كيف جمع بين الأسلحة ... الخ»؟ قال أحمد : وحسن هذا المجاز وبلغ به ذروة الفصاحة ، عطف الحقيقة عليه.