(وَهُوَ مُحْسِنٌ) وهو عامل للحسنات تارك للسيئات (حَنِيفاً) حال من المتبع ، أو من إبراهيم كقوله : (بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وهو الذي تحنف أى مال عن الأديان كلها إلى دين الإسلام (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) مجاز عن اصطفائه واختصاصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله. والخليل : المخال ، وهو الذي يخالك أى يوافقك في خلالك ، أو يسايرك في طريقك ، من الخل : وهو الطريق في الرمل ، أو يسدّ خللك كما تسدّ خلله ، أو يداخلك خلال منازلك وحجبك. فإن قلت : ما موقع هذه الجملة؟ قلت : هي جملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب ، كنحو ما يجيء في الشعر من قولهم :
......... وَالْحَوَادِثُ جَمَّةٌ (١)
فائدتها تأكيد وجوب اتباع ملته ، لأن من بلغ من الزلفى عند الله أن اتخذه خليلا ، كان جديراً بأن تتبع ملته وطريقته. ولو جعلتها معطوفة على الجملة قبلها لم يكن لها معنى. وقيل : إن إبراهيم عليه السلام بعث إلى خليل له بمصر في أزمة أصابت الناس يمتار منه. فقال خليله : لو كان إبراهيم يطلب الميرة لنفسه لفعلت ، ولكنه يريدها للأضياف ، فاجتاز غلمانه ببطحاء لينة فملئوا منها الغرائر حياء من الناس. فلما أخبروا إبراهيم عليه السلام ساءه الخبر ، فحملته عيناه وعمدت امرأته إلى غرارة منها فأخرجت أحسن حوّارى ، واختبزت واستنبه إبراهيم عليه السلام فاشتم رائحة الخبز ، فقال : من أين لكم؟ فقالت امرأته : من خليلك المصري. فقال : بل من عند خليلي الله عز وجل ، فسماه الله خليلا.
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً)(١٢٦)
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) متصل بذكر العمال الصالحين والصالحين. معناه : أن له ملك أهل السموات والأرض ، فطاعته واجبة عليهم (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً) فكان عالما بأعمالهم فمجازيهم على خيرها وشرها ، فعليهم أن يختاروا لأنفسهم ما هو أصلح لها.
(وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ
__________________
(١) يا ليت شعري والحوادث جمة |
|
هل أغدون يوما وأمرى مجمع |
قوله «والحوادث جمة» أى كثيرة ، جملة اعتراضية. وأغدون : مؤكد بالنون الخفيفة. «وأمرى مجمع» أى منوي مجزوم بامتثاله. أو المعنى : وشملى مجتمع بعد تفرقه ، وهي جملة حالية مغنية عن خبر أغدون أو خبرها ، وزيدت الواو لتوكيد الربط. وأجمع يتعلق بالمعقول ، وجمع يتعلق بالمحسوس.