وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً)(١٢٧)
(ما يُتْلى) في محل الرفع. أى الله يفتيكم والمتلوّ (فِي الْكِتابِ) في معنى اليتامى ، يعنى قوله (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) وهو من قولك : أعجبنى زيد وكرمه. ويجوز أن يكون. (ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) مبتدأ و (فِي الْكِتابِ) خبره على أنها جملة معترضة ، والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ تعظيما للمتلو عليهم ، وأن العدل والنصفة في حقوق اليتامى من عظائم الأمور المرفوعة الدرجات عند الله التي تجب مراعاتها والمحافظة عليها ، والمخل بها ظالم متهاون بما عظمه الله. ونحوه في تعظيم القرآن : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) ويجوز أن يكون مجروراً على القسم ، كأنه قيل : قل الله يفتيكم فيهنّ ، وأقسم بما يتلى عليكم في الكتاب. والقسم أيضا لمعنى التعظيم ، وليس بسديد أن يعطف على المجرور في : (فِيهِنَّ) ، لاختلاله من حيث اللفظ والمعنى ، فإن قلت بم تعلق قوله (فِي يَتامَى النِّساءِ)؟ قلت : في الوجه الأوّل هو صلة (يُتْلى) أى يتلى عليكم في معناهن. ويجوز أن يكون (فِي يَتامَى النِّساءِ) بدلا من (فِيهِنَّ) وأما في الوجهين الآخرين فبدل لا غير. فإن قلت : الإضافة في : (يَتامَى النِّساءِ) ما هي؟ قلت : إضافة بمعنى «من» كقولك : عندي سحق عمامة. وقرئ : في ييامى النساء ، بياءين على قلب همزة أيامى ياء (لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَ) وقرئ : ما كتب الله لهنّ ، أى ما فرض لهن من الميراث. وكان الرجل منهم يضم اليتيمة إلى نفسه وما لها (١). فإن كانت جميلة تزوجها وأكل المال ، وإن كانت دميمة عضلها عن التزوج حتى تموت فيرثها (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) يحتمل في أن تنكحوهن لجمالهن ، وعن أن تنكحوهن لدمامتهن. وروى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان إذا جاءه ولى اليتيمة نظر ، فإن كانت جميلة غنية قال : زوّجها غيرك والتمس لها من هو خير منك. وإن كانت دميمة ولا مال لها قال : تزوجها فأنت أحق بها (٢) (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ) مجرور معطوف على يتامى النساء ، وكانوا في الجاهلية إنما يورثون الرجال القوام بالأمور دون الأطفال والنساء. ويجوز أن يكون خطابا للأوصياء كقوله : (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ)(وَأَنْ تَقُومُوا) مجرور كالمستضعفين بمعنى : يفتيكم في يتامى النساء ، وفي المستضعفين. وفي أن تقوموا. ويجوز أن يكون منصوبا بمعنى : ويأمركم أن تقوموا ، وهو خطاب للأئمة في أن ينظروا لهم ويستوفوا لهم حقوقهم ، ولا يخلوا أحداً يهتضمهم.
__________________
(١) قوله «ومالها الخ» عبارة النسفي : ولعل أصله ومالها إلى ماله. (ع)
(٢) أخرجه الطبري من طريق إبراهيم أن عمر بن الخطاب ـ فذكره مرسلا.