(وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً)(١٢٨)
(خافَتْ مِنْ بَعْلِها) توقعت منه ذلك لما لاح لها من مخايله وأماراته. والنشوز : أن يتجافى عنها بأن يمنعها نفسه ونفقته والمودة والرحمة التي بين الرجل والمرأة ، وأن يؤذيها بسب أو ضرب والإعراض : أن يعرض عنها بأن يقل محادثتها ومؤانستها ، وذلك لبعض الأسباب من طعن في سنّ ، أو دمامة ، أو شيء في خَلق أو خُلق ، أو ملال ، أو طموح عين إلى أخرى ، أو غير ذلك فلا بأس بهما في أن يصلحا بينهما. وقرئ : يصالحا. ويصلحا ، بمعنى : يتصالحا ، ويصطلحا. ونحو أصلح : أصبر في اصطبر (يُصْلِحا) في معنى مصدر كل واحد من الأفعال الثلاثة. ومعنى الصلح : أن يتصالحا على أن تطيب له نفسا عن القسمة أو عن بعضها ، كما فعلت سودة بنت زمعة حين كرهت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفت مكان عائشة من قلبه ، فوهبت لها يومها (١). وكما روى أن امرأة أراد زوجها أن يطلقها لرغبته عنها وكان لها منه ولد ، فقالت : لا تطلقني ودعني أقوم على ولدى وتقسم لي في كل شهرين ، فقال : إن كان هذا يصلح فهو أحب إلىّ ، فأقرّها. أو تهب له بعض المهر ، أو كله ، أو النفقة ؛ فإن لم تفعل فليس له إلا أن يمسكها بإحسان أو يسرحها (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) من الفرقة أو من النشوز والإعراض وسوء العشرة. أو هو خير من الخصومة في كل شيء. أو الصلح خير من الخيور ، كما أن الخصومة شر من الشرور وهذه الجملة اعتراض ، وكذلك قوله (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ) ومعنى إحضار الأنفس الشح أن الشح جعل حاضرا لها لا يغيب عنها أبداً ولا تنفك عنه ، يعنى أنها مطبوعة عليه والغرض أن المرأة لا تكاد تسمح بقسمتها وبغير قسمتها (٢) ، والرجل لا تكاد نفسه تسمح بأن يقسم لها وأن يمسكها إذا رغب عنها وأحب غيرها (وَإِنْ تُحْسِنُوا) بالإقامة على نسائكم وإن كرهتموهن وأحببتم غيرهن ، وتصبروا على ذلك مراعاة لحق الصحبة (وَتَتَّقُوا) النشوز والإعراض وما يؤدى إلى الأذى والخصومة (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ) من الإحسان والتقوى (خَبِيراً) وهو يثيبكم عليه. وكان عمران بن حطان الخارجي من أدمّ بنى آدم ، وامرأته من أجملهم ،
__________________
(١) أخرجه الحاكم من حديث عائشة وهو في الصحيحين من رواية عروة عن عائشة قالت «ما رأيت امرأة أحب أن أكون مسلاجها من سودة بنت زمعة من امرأة فيها حدة ـ الحديث».
(٢) قوله «وبغير قسمتها» لعله «غير قسمتها» ، كالفرقة والنفقة والمهر. وعبارة النسفي : تسمح بقسمتها والرجل ... الخ ، فحرر. (ع)