فأجالت في وجهه نظرها يوما ثم تابعت الحمد لله ، فقال : مالك؟ قالت : حمدت الله على أنى وإياك من أهل الجنة ، قال : كيف؟ قالت : لأنك رزقت مثلي فشكرت ، ورزقت مثلك فصبرت ، وقد وعد الله الجنة عباده الشاكرين والصابرين (١)
(وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً)(١٢٩)
(وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا) ومحال أن تستطيعوا العدل (بَيْنَ النِّساءِ) والتسوية حتى لا يقع ميل البتة ولا زيادة ولا نقصان فيما يجب لهن ، فرفع لذلك عنكم تمام العدل وغايته ، وما كلفتم منه إلا ما تستطيعون بشرط أن تبذلوا فيه وسعكم وطاقتكم ؛ لأنّ تكليف ما لا يستطاع داخل في حدّ الظلم (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) وقيل : معناه أن تعدلوا في المحبة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول «هذه قسمتى فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك (٢)» يعنى المحبة ؛ لأن عائشة رضى الله عنها كانت أحب إليه. وقيل : إن العدل بينهن أمر صعب بالغ من الصعوبة حداً يوهم أنه غير مستطاع ، لأنه يجب أن يسوى بينهن في القسمة والنفقة والتعهد والنظر والإقبال والممالحة والمفاكهة والمؤانسة وغيرها مما لا يكاد الحصر يأتى من ورائه ، فهو كالخارج من حدّ الاستطاعة. هذا إذا كن محبوبات كلهن ؛ فكيف إذا مال القلب مع بعضهن (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) فلا تجوروا على المرغوب عنها كل الجور فتمنعوها قسمتها من غير رضى منها ، يعنى : أن اجتناب كل الميل مما هو في حد اليسر والسعة ؛ فلا تفرطوا فيه إن وقع منكم التفريط في العدل كله. وفيه ضرب من التوبيخ (فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) وهي التي ليست بذات بعل ولا مطلقة قال :
هَلْ هِىَ إلّا حَظَّةٌ أَوْ تَطْلِيقْ |
|
أوْ صَلَفٌ أَوْ بَيْنَ ذَاكَ تَعْلِيقْ (٣) |
وفي قراءة أبىّ : فتذروها كالمسجونة. وفي الحديث : «من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما جاء
__________________
(١) لم أجده.
(٢) أخرجه أصحاب السنن وابن حبان والحاكم من رواية أبى قلابة عن عبد الله بن يزيد عن عائشة ، وفيه يعنى القلب».
(٣) لبنت الحمارس. والاستفهام إنكارى ، أى ليست حالة الزوجة مع زوجها إلا حظة صغيرة بحظوة الزوج بها ، أو تطليق لها مع الزوج ، أو صلف ـ أى عدم حظوة من الزوج بها ـ وصلفت صلفاً من باب تعب. ونساء صالفات وصلائف ، لم يحظهن الزوج ، أو تعليق بين ذلك المذكور من الأحوال. وتسبيغ مشطور الرجز بزيادة ساكن في آخره ـ كما هنا ـ قليل.