وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١٥٠) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً)(١٥١)
جعل الذين آمنوا بالله وكفروا برسله أو آمنوا بالله وببعض رسله وكفروا ببعض كافرين بالله ورسله جميعا لما ذكرنا (١) من العلة ، ومعنى اتخاذهم بين ذلك سبيلا : أن يتخذوا دينا وسطا بين الإيمان والكفر كقوله : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) أى طريقا وسطا في القراءة وهو ما بين الجهر والمخافتة. وقد أخطؤا ، فإنه لا واسطة بين الكفر والإيمان (٢) ولذلك قال (أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) أى هم الكاملون في الكفر. و (حَقًّا) تأكيد لمضمون الجملة ، كقولك : هو عبد الله حقا ، أى حق ذلك حقا ، وهو كونهم كاملين في الكفر ، أو هو صفة لمصدر الكافرين ، أى هم الذين كفروا كفرا حقا ثابتا يقينا لا شك فيه ،
(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)(١٥٢)
فإن قلت : كيف جاز دخول (بَيْنَ) على (أَحَدٍ) وهو يقتضى شيئين فصاعدا؟ قلت : إن أحدا عام في الواحد المذكر والمؤنث وتثنيتهما وجمعهما ، تقول : ما رأيت أحدا ، فتقصد العموم ، ألا تراك تقول : إلا بنى فلان ، وإلا بنات فلان ؛ فالمعنى : ولم يفرقوا بين اثنين منهم أو بين جماعة ومنه قوله تعالى : (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) ، (سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ) معناه : أنّ إيتاءها كائن لا محالة وإن تأخر فالغرض به توكيد الوعد وتثبيته لا كونه متأخرا ،
(يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (١٥٣) وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (١٥٤) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ
__________________
(١) قوله «لما ذكرنا» أى في تفسير قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ...) الخ». (ع)
(٢) قوله «فانه لا واسطة بين الكفر والايمان» هذا عند أهل السنة. أما عند المعتزلة ففاعل الكبيرة الذي يموت بلا توبة لا هو مؤمن ولا كافر ، بل منزلة بين المنزلتين. فتدبر. (ع)