به من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبيان نعته (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ) أى هذه عادتهم وهجيراهم وكان عليها أسلافهم كانوا يخونون الرسل وهؤلاء يخونونك ينكثون عهودك ويظاهرون المشركين على حربك ويهمون بالفتك بك وأن يسموك (عَلى خائِنَةٍ) على خيانة ، أو على فعلة ذات خيانة ، أو على نفس ، أو فرقة خائنة. ويقال : رجل خائنة ، كقولهم : رجل راوية للشعر للمبالغة. قال :
حَدَّثْتَ نَفْسَكَ بِالْوَفَاءِ وَلَمْ تَكُنْ |
|
لِلْغَدْرِ خَائِنَةً مَضَلَّ الْأُصْبُعِ (١) |
وقرئ على خيانة (مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) وهم الذين آمنوا منهم (فَاعْفُ عَنْهُمْ) بعث على مخالفتهم. وقيل هو منسوخ بآية السيف. وقيل : فاعف عن مؤمنيهم ولا تؤاخذهم بما سلف منهم.
(وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ)(١٤)
(أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) أخذنا من النصارى ميثاق من ذكر قبلهم من قوم موسى ، أى مثل ميثاقهم بالإيمان بالله والرسل وبأفعال الخير. وأخذنا من النصارى ميثاق أنفسهم بذلك. فإن قلت : فهلا قيل : من النصارى؟ (٢) قلت : لأنهم إنما سموا أنفسهم بذلك ادعاء لنصرة الله ، وهم الذين قالوا لعيسى : نحن أنصار الله ، ثم اختلفوا بعد : نسطورية ، ويعقوبية ، وملكانية. أنصارا
__________________
(١) أقرين إنك لو رأيت فوارسى |
|
بعمايتين إلى جوانب صلفع |
حدثت نفسك بالوفاء ولم تكن |
|
للغدر خائنة مضل الأصبع |
للكلابى ، يخاطب ضيفاً نزل عنده فطمع في جاريته. والهمزة للنداء و «عمايتين» اسم جبلين. و «صلفع» اسم موضع. أى ياقرين لو رأيت فوارسى بهذين الجبلين ممتدين إلى جوانب صلفع ، لحدثت نفسك بوفاء العهد خوفاً منى كما هو الواجب عليك ، ولم تكن لأجل العدو. أو ولم تكن مجعولا للغدر خائنة ، على أنه خبر بعد خبر ، أى كثير الخيانة ، فالتاء للمبالغة كرواية. ولعله كان قد أشار للجارية بإصبعه ، فسمى الاشارة به للخيانة إضلالا له : ويروى مغل الأصبع بالغين وغل وأغل إذا سرق شيئاً تافها ، كأنه جعل أصبعه غالا ، أى سارقا ، للاشارة به.
(٢) قال محمود : «فان قلت : فهلا قيل من النصارى ... الخ» قال أحمد : وبقيت نكتة في تخصيص هذا الموضع بإسناد النصرانية إلى دعواهم ولم يتفق ذلك في غيره. ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) فالوجه في ذلك والله أعلم أنه لما كان المقصود في هذه الآية ذمهم بنقض الميثاق المأخوذ عليهم في نصرة الله تعالى ، ناسب ذلك أن يصدر الكلام بما يدل على أنهم لم ينصروا الله ولم يفوا بما واثقوا عليه من النصرة ، وما كان حاصل أمرهم إلا التفوه بدعوى النصرة وقولها دون فعلها ، والله أعلم.