للشيطان (١) (فَأَغْرَيْنا) فألصقنا وألزمنا من غرى بالشيء إذا لزمه ولصق به وأغراه غيره. ومنه الغراء الذي يلصق به (بَيْنَهُمُ) بين فرق النصارى المختلفين. وقيل : بينهم وبين اليهود. ونحوه (وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً) ، (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ).
(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(١٦)
(يا أَهْلَ الْكِتابِ) خطاب لليهود والنصارى (مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ) من نحو صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن نحو الرجم (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) مما تخفونه لا يبينه إذا لم تضطر إليه مصلحة دينية ، ولم يكن فيه فائدة إلا اقتضاء حكم وصفته (٢) مما لا بدّ من بيانه ، وكذلك الرجم وما فيه إحياء شريعة وإماتة بدعة. وعن الحسن : ويعفو عن كثير منكم لا يؤاخذه (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) يريد القرآن ، لكشفه ظلمات الشرك والشك ، ولإبانته ما كان خافياً عن الناس من الحق. أو لأنه ظاهر الإعجاز (مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) من آمن به (سُبُلَ السَّلامِ) طرق السلامة والنجاة من عذاب الله أو سبل الله.
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(١٧)
قولهم (إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ) معناه بت القول ، على أن حقيقة الله هو المسيح لا غير. قيل: كان في النصارى قوم يقولون ذلك. وقيل : ما صرّحوا به ولكن مذهبهم يؤدّى إليه ، حيث اعتقدوا أنه يخلق ويحيى ويميت ويدبر أمر العالم (فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) فمن يمنع من قدرته ومشيئته شيئا (إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ) من دعوه إلها من المسيح وأمّه دلالة على أن المسيح عبد مخلوق كسائر العباد. وأراد بعطف (مَنْ فِي الْأَرْضِ) على : (الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ) أنهما من جنسهم لا تفاوت بينهما
__________________
(١) قوله «وملكانية أنصاراً للشيطان» في الخازن فرقة رابعة وهي المرقوسية اه. (ع)
(٢) قوله «إلا اقتضاء حكم وصفته» لعل هنا سقطاً أو تحريفاً أوجب خفاء المعنى فليحرر. (ع)