وبينهم في البشرية (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) أى يخلق من ذكر وأنثى ويخلق من أنثى من غير ذكر كما خلق عيسى (١) ، ويخلق من غير ذكر وأنثى كما خلق آدم. أو يخلق ما يشاء كخلق الطير على يد عيسى معجزة له ، وكإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، وغير ذلك. فيجب أن ينسب إليه ولا ينسب إلى البشر المجرى على يده.
(وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)(١٨)
(أَبْناءُ اللهِ) أشياع ابني الله عزير والمسيح (٢) ، كما قيل لأشياع أبى خبيب وهو عبد الله بن الزبير «الخبيبون» وكما كان يقول رهط مسيلمة : نحن أنبياء الله. ويقول أقرباء الملك وذووه وحشمه : نحن الملوك. ولذلك قال مؤمن آل فرعون : لكم الملك اليوم (فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) فإن صحّ أنكم أبناء الله وأحباؤه فلم تذنبون وتعذبون بذنوبكم فتمسخون وتمسكم النار أياما معدودات على زعمكم. ولو كنتم أبناء الله ، لكنتم من جنس الأب ، غير فاعلين للقبائح ولا مستوجبين للعقاب. ولو كنتم أحباءه ، لما عصيتموه ولما عاقبكم (بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ) من جملة من خلق من البشر (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) وهم أهل الطاعة (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) وهم العصاة (٣).
(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(١٩)
(يُبَيِّنُ لَكُمْ) إما أن يقدّر المبين وهو الدين والشرائع ، وحذفه لظهور ما ورد الرسول
__________________
(١) قوله «كما خلق عيسى» في النسفي : ويخلق من ذكر من غير أنثى ، كما خلق حواء من آدم. (ع)
(٢) قال محمود : «معنى قولهم أبناء الله أشياع ابني الله عزير ... الخ» قال أحمد : ومنه قول الملائكة لأنهم خواص عباد الله (إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ) إلى قوله : (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) فأضافوا التقدير إليهم ، وفي الحقيقة المقدر الله «وكذلك قول الدابة ـ لأنها من خواص آيات الله ـ : (أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) فيمن جعله من قول الدابة ، والله أعلم.
(٣) قال محمود : «يعنى أهل الطاعة (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) قال : يعنى العصاة» قال أحمد رحمه الله : بل مشيئة الله تعالى تسع التائب المنيب ، والعاصي المصر إذا كان موحداً. والزمخشري أخرج هذا التفسير على قاعدته المتكررة في غير ما موضع ، وهي القطع بوعيد العصاة المصرين الموحدين ، وأن المغفرة لهم محال.