من حرّ الشمس ، ويطلع لهم عمود من نور بالليل يضيء لهم ، وينزل عليهم المنّ والسلوى ، ولا تطول شعورهم ، وإذا ولد لهم مولود كان عليه ثوب كالظفر يطول بطوله. فإن قلت : فلم كان ينعم عليهم بتظليل الغمام وغيره وهم معاقبون؟ قلت : كما ينزل بعض النوازل على العصاة عركا لهم (١) ، وعليهم مع ذلك النعمة متظاهرة. ومثل ذلك مثل الوالد المشفق يضرب ولده ويؤذيه ليتأدب ويتثقف ولا يقطع عنه معروفه وإحسانه. فإن قلت : هل كان معهم في التيه موسى وهرون عليهما السلام؟ قلت : اختلف في ذلك ، فقيل لم يكونا معهم لأنه كان عقابا ، وقد طلب موسى إلى ربه أن يفرق بينهما وبينهم. وقيل : كانا معهم إلا أنه كان ذلك روحا لهما وسلامة ، لا عقوبة ، كالنار لإبراهيم ، وملائكة العذاب. وروى أن هرون مات في التيه ، ومات موسى بعده فيه بسنة. ودخل يوشع أريحاء بعد موته بثلاثة أشهر. ومات النقباء في التيه بغتة ، إلا كالب ويوشع (فَلا تَأْسَ) فلا تحزن عليهم لأنه ندم على الدعاء عليهم ، فقيل : إنهم أحقاء لفسقهم بالعذاب ، فلا تحزن ولا تندم.
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (٢٨) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (٢٩) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٣٠) فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (٣١) مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ
__________________
(١) قوله «عركا لهم» في الصحاح : عركت الشيء دلكته. وعرك البعير جنبه بمرفقه. وفيه أيضا : الدعك مثل الدلك. وقد دعكت الأديم والخصم : لبنته. (ع)