أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)(٣٢)
هما ابنا آدم لصلبه قابيل وهابيل ، أوحى الله إلى آدم أن يزوّج كل واحد منهما توأمة الآخر ، وكانت توأمة قابيل أجمل واسمها «إقليما» فحسد عليها أخاه وسخط. فقال لهما آدم : قرّبا قربانا ، فمن أيكما تقبل زوّجها ، فقبل قربان هابيل بأن نزلت نار فأكلته ؛ فازداد قابيل حسدا وسخطا ، وتوعده بالقتل. وقيل : هما رجلان من بنى إسرائيل (بِالْحَقِ) تلاوة ملتبسة بالحق والصحة. أو اتله نبأ ملتبسا بالصدق موافقا لما في كتب الأوّلين ، أو بالغرض الصحيح وهو تقبيح الحسد ؛ لأن المشركين وأهل الكتاب كلهم كانوا يحسدون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبغون عليه. أو اتل عليهم وأنت محق صادق. و (إِذْ قَرَّبا) نصب بالنبإ ، أى قصتهم وحديثهم في ذلك الوقت. ويجوز أن يكون بدلا من النبأ ، أى اتل عليهم النبأ نبأ ذلك الوقت ، على تقدير حذف المضاف. والقربان : اسم ما يتقرّب به إلى الله من نسيكة أو صدقة ، كما أنّ الحلوان اسم ما يحلى أى يعطى. يقال : قرّب صدقة وتقرّب بها ، لأن تقرّب مطاوع قرّب : قال الأصمعى : تقربوا قرف القمع (١) فيعدى بالباء حتى يكون بمعنى قرب. فإن قلت : كيف كان قوله (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) جوابا لقوله : (لَأَقْتُلَنَّكَ)؟ قلت : لما كان الحسد لأخيه على تقبل قربانه هو الذي حمله على توعده بالقتل قال له : إنما أتيت من قبل نفسك لانسلاخها من لباس التقوى ، لا من قبلي ، فلم تقتلني؟ ومالك لا تعاتب نفسك ولا تحملها على تقوى الله التي هي السبب في القبول؟ فأجابه بكلام حكيم مختصر جامع لمعان. وفيه دليل على أنّ الله تعالى لا يقبل طاعة إلا من مؤمن متق ، فما أنعاه على أكثر العاملين أعمالهم. وعن عامر بن عبد الله : أنه بكى حين حضرته الوفاة ، فقيل له : ما يبكيك فقد كنت وكنت؟ قال إنى أسمع الله يقول (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ). (ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ) قيل : كان أقوى من القاتل وأبطش منه ، ولكنه تخرج عن قتل أخيه واستسلم له خوفا من الله ؛ لأنّ الدفع لم يكن مباحا في ذلك الوقت. قاله مجاهد وغيره (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) أن تحتمل إثم قتلى لك لو قتلتك وإثم قتلك لي. فإن قلت : كيف يحمل إثم قتله له ولا تزر وازرة وزر أخرى؟ قلت : المراد بمثل إثمى على الاتساع في الكلام ، كما تقول : قرأت قراءة فلان ، وكتبت كتابته ، تريد المثل وهو اتساع فاش مستفيض لا يكاد يستعمل غيره.
__________________
(١) قوله «تقربوا قرف القمع» في الصحاح : القرف القشر. والقمعة رأس السنام ، والجمع قمع. والقمع أيضا : بثرة تخرج في شفر العين. (ع)