(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٣٦) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ)(٣٧)
(لِيَفْتَدُوا بِهِ) ليجعلوه فدية لأنفسهم. وهذا تمثيل للزوم العذاب لهم ، وأنه لا سبيل لهم إلى النجاة منه بوجه. وعن النبي صلى الله عليه وسلم «يقال للكافر يوم القيامة : أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهباً أكنت تفتدى به ، فيقول : نعم ، فيقال له : قد سئلت أيسر من ذلك (١)» و «لو» مع ما في حيزه خبر «أن». فإن قلت : لم وحد الراجع في قوله : (لِيَفْتَدُوا بِهِ) وقد ذكر شيئان؟ قلت : نحو قوله :
فَإنِّى وَقَيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبُ (٢)
__________________
وكل أناس سوف تدخل بينهم |
|
دويهية تصفر منها الأنامل |
للبيد بن ربيعة العامري. وهمزة الاستفهام التي بعدها النفي للتحضيض على الفعل ، أى : سلاه وقولا له : ما الذي تريده وتجهد نفسك في تحصيله؟ وعبر بلفظ الغيبة نظرا للفظ المرئي. وخطاب المثنى عادة جارية على لسان العرب ، وإن كان المراد غيره. وقوله «أنحب» بدل «ما» والنحب : النذر والحمد والسرعة ، كما أن النعب ـ بالعين ـ : السرعة ، أى أغرض صحيح فيقضى له ، أم باطل فلا ينبغي؟ أو المعنى : أشى أوجبه على نفسه فهو يسعى في قضائه ، أم ضلال؟ وعلى كل فلا ينبغي : وقوله «ما قدر أمرهم» أى ما الذي هم فيه من شئون الدنيا وسرعة فنائها. و «ألا» استفتاحية «كل ذى لب» أى عقل «واسل» إلى الله لا إلى غيره ، أى متوسل به ومتلجئ إليه من شر الدنيا وشر من لا يعقل ، أو متقرب إليه بما ينفعه. ويروى «بلى كل» وهي أوقع معنى ، لأنها رد لدعوى تعميم السابقة. ويروى «واصل» بالصاد ، أى صائر أو متوجه بكليته. ويجوز فيه وفي واسل أنهما بمعنى متقرب إلى الله بالطاعة ، لا مشتغل بالدنيا الفانية كغيره من الجهال. و «باطل» خبر كل شيء. و «زائل» خبر كل نعيم. و «لا محالة» اعتراض مؤكد.
و «الدويهية» تصغير الداهية وهي المنية ، بقرينة ما بعد. وتصغيرها للتعظيم والتهويل ، أو للتحقير على زعم الغافلين المتهاونين ،
(١) متفق عليه من رواية قتادة عن أنس رضى الله عنه.
(٢) دعاك الهوى والشوق لما ترنحت |
|
هتوف الضحى بين الغصون طروب |
تجاوبها ورق أصخن لصوتها |
|
فكل لكل مسعد ومجيب |
فمن يك أمسى بالمدينة رحله |
|
فانى وقيار بها لغريب |
لضابئ بن الحرث البرجمي حين حبسه عثمان بن عفان لما هجا بنى نهشل. والترنح : التمايل. ويروى «ترنمت» أى تغنت بحسن صوتها. وهتفت الحمامة إذا غردت ، فهي هتوف أى مفردة. و «بين» ظرف للترنح. و «طروب» مبالغة في الطرب ، يوصف به المذكر والمؤنث ، كهتوف. وهو فاعل ، وهتوف حال ؛ وإضافته لا تفيده التعريف في المعنى. ويجوز رفعه على أنه فاعل ، وطروب نعته ؛ لأنه وصف مضاف فلا تعريف له في اللفظ أيضا. و «الورق» جمع ورقاء نوع من الحمام. و «أصخن» ملن واستمعن. ويروى «أرعن» ولم أجد في كتب اللغة «رعن» إلا بمعنى زكى ونمى ، فلعل معناه نشطن على المجاز. وروى «ومن يك» بالواو. ومرفوع «أمسى» ضمير «من». وجملة «بالمدينة رحله» خبره ، والجملة خبر يكن. ويجوز أن مرفوعه هو رحله ، وجواب الشرط محذوف ، أى ـ