يحكم به أفعى نجران ، أو نظيره من حكام الجاهلية ، فأرادوا بسفههم أن يكون محمد خاتم النبيين حكما كأولئك الحكام. اللام في قوله (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) للبيان كاللام في : (هَيْتَ لَكَ) أى هذا الخطاب وهذا الاستفهام لقوم يوقنون ، فإنهم الذين يتيقنون أن لا أعدل من الله ولا أحسن حكما منه.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (٥٢) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ)(٥٣)
لا تتخذوهم أولياء تنصرونهم وتستنصرونهم وتؤاخونهم وتصافونهم وتعاشرونهم معاشرة المؤمنين. ثم علل النهى بقوله (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) أى إنما يوالى بعضهم بعضا لاتحاد ملتهم واجتماعهم في الكفر ، فما لمن دينه خلاف دينهم ولموالاتهم (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ) من جملتهم وحكمه حكمهم. وهذا تغليظ من الله وتشديد في وجوب مجانبة المخالف في الدين واعتزاله ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تراءى ناراهما» (١) ومنه قول عمر رضى الله عنه لأبى موسى في كاتبه النصراني : لا تكرموهم إذ أهانهم الله ، ولا تأمنوهم إذ خوّنهم الله ، ولا تدنوهم إذ أقصاهم الله (٢) : وروى أنه قال له أبو موسى : لا قوام للبصرة إلا به ، فقال : مات النصراني والسلام ، يعنى هب أنه قد مات ، فما كنت تكون صانعاً حينئذ فاصنعه الساعة ، واستغن عنه بغيره (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) يعنى الذين ظلموا أنفسهم بموالاة الكفر (٣) يمنعهم الله ألطافه ويخذلهم مقتا لهم (يُسارِعُونَ فِيهِمْ) ينكمشون في موالاتهم
__________________
(١) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث جرير «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى خثعم ، فاعتصم ناس بالسجود ـ الحديث» وفيه : وقال «أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين. قالوا : ولم؟ قال : لا تراءى ناراهما» وصله أبو معاوية عن إسماعيل عن قيس عنه. وأرسله غيره من أصحاب إسماعيل كعبدة بن سليمان ووكيع وهشيم ومروان وتابعه حجاج بن أرطاة عن إسماعيل موصولا. وحجاج ضعيف ورجح البخاري وغيره المرسل. وخالف الجميع حفص بن غياث فرواه عن إسماعيل عن قيس عن خالد بن الوليد أخرجه الطبراني.
(٢) أخرجه البيهقي في أدب القاضي من السنن الكبير مطولا دون ما في آخره ، فلينظر.
(٣) قوله «بموالاة الكفر» لعله الكفرة. (ع)