ويرغبون فيها ويعتذرون بأنهم لا يأمنون أن تصيبهم دائرة من دوائر الزمان ، أى صرف من صروفه ودولة من دوله ، فيحتاجون إليهم وإلى معونتهم. وعن عبادة بن الصامت رضى الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنّ لي موالي من يهود كثيراً عددهم ، وإنى أبرأ إلى الله ورسوله (١) من ولايتهم وأُوالى الله ورسوله فقال عبد الله بن أبىّ : إنى رجل أخاف الدوائر لا أبرأ من ولاية موالىّ وهم يهود بنى قينقاع (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه وإظهار المسلمين (أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) يقطع شأفة اليهود (٢) ويجلبهم عن بلادهم ، فيصبح المنافقون نادمين على ما حدثوا به أنفسهم : وذلك أنهم كانوا يشكون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون : ما نظن أن يتم له أمر ، وبالحرى أن تكون الدولة والغلبة لهؤلاء. وقيل أو أمر من عنده : أو أن يؤمر النبىّ صلى الله عليه وسلم بإظهار أسرار المنافقين وقتلهم فيندموا على نفاقهم. وقيل : أو أمر من عند الله لا يكون فيه للناس فعل كبني النضير الذين طرح الله في قلوبهم الرعب ، فأعطوا بأيديهم من غير أن يوجف عليهم بخيل ولا ركاب (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) قرئ بالنصب عطفاً على أن يأتى ، وبالرفع على أنه كلام مبتدأ ، أى : ويقول الذين آمنوا في ذلك الوقت : وقرئ : يقول ، بغير واو ، وهي في مصاحف مكة والمدينة والشأم كذلك على أنه جواب قائل يقول : فما ذا يقول المؤمنون حينئذ؟ فقيل : يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا. فإن قلت : لمن يقولون هذا القول؟ قلت : إمّا أن يقوله بعضهم لبعض تعجباً من حالهم واغتباطاً بما منّ الله عليهم من التوفيق في الإخلاص (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا) لكم بإغلاظ الأيمان أنهم أولياؤكم ومعاضدوكم على الكفار. وإمّا أن يقولوه لليهود لأنهم حلفوا لهم بالمعاضدة والنصرة ، كما حكى الله عنهم (وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ). (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) من جملة قول المؤمنين ، أى بطلت أعمالهم التي كانوا يتكلفونها في رأى أعين الناس. وفيه معنى التعجب كأنه قيل : ما أحبط أعمالهم! فما أخسرهم! أو من قول الله عز وجل شهادة لهم بحبوط الأعمال وتعجباً من سوء حالهم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ
__________________
(١) أخرجه الطبري من رواية عطية بن سعيد العوفى قال : جاء رجل يقال له عبادة بن الصامت ـ فذكره مرسلا وأتم منه ومن هذا الوجه أخرجه ابن أبى شيبة. وله طرق أخرى في المغازي لابن إسحاق عن أبيه عن عبادة بن الوليد عن عبادة بن الصامت أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه.
(٢) قوله «يقطع شأفة اليهود» في الصحاح «الشأفة» قرحة تخرج في أسفل القدم فتكوى فتذهب ، فضرب بها المثل في الاستئصال اه باختصار. (ع)