وعلى الرغم مما قاله العلماء والمختصون في اللغات ومبادئ تكوين تلك الحروف والأصوات ، فإنهم لم يتوصلوا إلى أسرار الحروف ، وراحوا يصولون ويجولون في أوهامهم ويقيمون التجارب تلو التجارب على الأمور الكبار والصغار لعلّهم يضعون أيديهم على كيفية نشوء الحروف ، وكيفية نشوء اللغات ، وكيفية تشعبها إلى لغات عديدة يتفاهم بها بنو البشر جمعاء قديما وحديثا.
وسوف تظل البشرية تنطق بلغاتها المحصورة بثمانية وعشرين حرفا تقريبا ، دون معرفة الأسرار الكامنة في كل حرف من تلك الحروف ، أو بالأحرى دون معرفة سر الأسرار المحيّر الذي يكشف الحروف ويحيط بها وينظمها لغة نطق وسمع وتفاهم وكتابة وقراءة من قبل جميع الناس في العالم ، على الرغم من بعض الاختلافات الصوتية أو كتابة الحروف ، وهذه كلها يمكن أن تكون بفعل الإدغام أو المد أو القصر ، أو المخارج. ولكن الأصل يبقى واحدا ، وتبقى المخارج واحدة في الحلق والبلعوم والشفتين حسبما حدده فقهاء اللغة وعلماء الأصوات.
فبعد تتبع مضن ودراسة واسعة تمكن عدد من علماء أسرار الحروف ـ والله أعلم ـ من إدراك النزر اليسير من أسرار الحروف ، وهي في اعتقادنا ، أن الحروف كائنات مخلوقة ، وهي حية وعاقلة. فكل حرف هو في الواقع ذات مكلفة بالإذعان والطاعة لمن يدرك سرها بالإضافة إلى النطق والكتابة لمن يحسنها ، وبحسب إرادة البشر الذي خلقت لأجله اللغة ، هذا ما فصلنا فيه القول في كتابنا «أصل اللغة عند الإنسان القديم».
فالحروف مأمورة ومكلفة كما أن البشر مكلفون ومأمورون ، والعاصي من أي نوع كان يحاسب من قبل الله تعالى ويعزر بما يستحق.