التفسير :
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) أي أصله وهو آدم عليهالسلام (مِنْ صَلْصالٍ) أي من طين يابس غير مطبوخ (مِنْ حَمَإٍ) أي من طين أسود متغير (مَسْنُونٍ) أي مصور. فالإنسان خلق من طين أسود مصور قد يبس. قال النسفي : وفي الأول كان ترابا ، فعجن بالماء طينا ، فمكث فصار حمأ ، فخلص فصار سلالة ، فصوّر ويبس فصار صلصالا ....
(وَالْجَانَ) أي أبا الجن ، كآدم للناس (خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) أي من قبل آدم (مِنْ نارِ السَّمُومِ) أي من نار الحر الشديد النافذ في المسام (وَإِذْ) أي واذكر إذ (قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) في إعلام الملائكة ماذا سيخلق تشريف للملائكة ، وتعليم لخلقه أن يعلموا بفعلهم من يستأهل الإعلام (فَإِذا سَوَّيْتُهُ) أي أتممت خلقه (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) أي وجعلت فيه الروح وأحييته ، وإضافة الروح إلى ذاته تشريف لها كقولنا بيت الله (فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) أي اسقطوا على الأرض ساجدين أي اسجدوا له (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) لأنهم لا يعصون الله ما أمرهم (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) أي امتنع واستكبر (أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) وهل إبليس من الملائكة أو لا؟ قولان للعلماء ومذهب الحسن أنه ليس من الملائكة (قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ) في (أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) أي : أيّ غرض لك في إبائك السجود (قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ) أي لا يصح مني أن أسجد (لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) رفض أمر الله بعلة باطلة ، وهكذا شأن كل رافض لأمر الله (قالَ فَاخْرُجْ مِنْها) أي من السماء أو من الجنة (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) أي : مرجوم مطرود من رحمة الله أي ملعون (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ) أتبعه الله لعنة لا تزال متصلة به ، لا حقة له ، متوافرة عليه إلى يوم القيامة. قال النسفي : «ضرب يوم الدين حدا للعنة لأنه أبعد غاية يضربها الناس في كلامهم ، والمراد به إنك مذموم مدعو عليك باللعنة في السموات والأرض إلى يوم الدين من غير أن تعذب ، فإذا جاء ذلك اليوم عذبت بما ينسى اللعن معه» (قالَ رَبِ) فهو إذن معترف بالربوبية لله ، معترف بوجود الله ، فليس كل من اعترف بوجود الله وربوبيته مؤمنا مسلما ناجيا (فَأَنْظِرْنِي) أي فأخرني (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) سأل الإنظار إلى اليوم الذي فيه يبعثون لئلا يموت لأنه لا يموت يوم البعث أحد ، فلم يجب إلى ذلك وأنظر إلى آخر أيام