التكليف ، ومن ثم كان الجواب (قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) أي يوم القيامة وكلامه يدل على أنه كان عالما أن هناك ساعة وبعثا ، فهو مؤمن في الظاهر بالله واليوم الآخر ، ومع ذلك حكم الله بكفره لأنه اعترض على حكم الله (قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) أي فبإغوائك إياي (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ) أي المعاصي (فِي الْأَرْضِ) أي في الدنيا ، وقد علم الخبيث أن بني آدم مقرهم الأرض من قوله تعالى : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً. وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ) أي ولأضلنهم (أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) استثنى المخلصين لأنه علم أن كيده لا يعمل فيهم ولا يقبلونه منه ، وهكذا أقسم الخبيث أن يجبب لأبناء آدم المعاصي ، ويرغّبهم فيها ، ويزعجهم إليها إزعاجا (قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ* إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) أي هذا طريق حق عليّ أن أراعيه وهو ألا يكون لك سلطان على عبادي إلا من اختار اتباعك منهم لغوايته (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ) أي لموعد الغاوين (أَجْمَعِينَ) (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ) من أتباع إبليس (جُزْءٌ مَقْسُومٌ) أي نصيب معلوم مقرّر ، ثم لما ذكر حال أهل النار عطف عليه ذكر أهل الجنة (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) أي الذين اتقوا ما يجب اتقاؤه مما نهوا عنه (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) (ادْخُلُوها) أي يقال لهم ادخلوها (بِسَلامٍ) أي سالمين أو مسلما عليكم ، تسلم عليكم الملائكة ، (آمِنِينَ) أي من الخروج منها والآفات فيها ، آمنين من كل خوف وفزع ، لا إخراج ولا انقطاع ولا فناء (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) الغل : هو الحقد الكامن في القلب ، أي إن كان لأحدهم غل في الدنيا على آخر نزع الله ذلك في الجنة وطيّب قلوبهم ، ويدخل في ذلك تطهير قلوبهم من أن يتحاسدوا على الدرجات في الجنة ، نزع من القلوب الغل وألقى فيها التوادّ والتحابّ ، فالمتحابون في الله في الدنيا لهم من أخلاق أهل الجنة ونعيمها نصيب (إِخْواناً) دل ذلك على أن الأخوة والغل متنافيان ، فليحرص المسلم أن يطهّر قلبه من الغل في علاقته مع المؤمنين (عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) أي ينظر بعضهم إلى بعض (لا يَمَسُّهُمْ فِيها) أي في الجنة (نَصَبٌ) أي تعب (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) وهذا من تمام النعمة ، وأي نعمة أعظم من الخلود في النعيم.
قال صاحب الظلال بمناسبة قوله تعالى : (قالَ : رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ.)