وبذلك حدّد إبليس ساحة المعركة. إنها الأرض : (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) وحدد عدّته فيها إنه التزيين. تزيين القبيح وتجميله ، والإغراء بزينته المصطنعة على ارتكابه. وهكذا لا يجترح الإنسان الشر إلا وعليه من الشيطان مسحة تزينه وتجمّله ، وتظهره في غير حقيقته وردائه فليفطن الناس إلى عدة الشيطان ؛ وليحذروا كلما وجدوا في أمر تزيينا ، وكلما وجدو من نفوسهم إليه اشتهاء. ليحذروا فقد يكون الشيطان هناك. إلا أن يتصلوا بالله ويعبدوه حق عبادته ، فليس للشيطان ـ بشرطه هو ـ على عباد الله المخلصين من سبيل (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) والله يستخلص لنفسه من عباده من يخلص نفسه لله ، ويجردها له وحده ويعبده كأنه يراه. وهؤلاء ليس للشيطان عليهم من سلطان.
هذا الشرط الذي قرره إبليس ـ اللعين ـ قرره وهو يدرك أن لا سبيل إلى سواه ، لأنه سنة الله ، أن يستخلص لنفسه من يخلص له نفسه وأن يحميه ويرعاه. ومن ثم كان الجواب (هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ* إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) هذا صراط. هذا ناموس. هذه سنة. وهي السنة التي ارتضتها الإرادة قانونا وحكما في الهدى والضلال. (إِنَّ عِبادِي) المخلصين لي ليس لك عليهم سلطان ، ولا لك فيهم تأثير ، ولا تملك أن تزين لهم ، لأنك عنهم محصور ، ولأنهم منك في حمى ، ولأن مداخلك إلى نفوسهم مغلقة وهم يعلقون أبصارهم بالله ، ويدركون ناموسه بفطرتهم الواصلة إلى الله ، إنما سلطانك على من اتبعك من الغاوين الضالين. فهو استثناء مقطوع لأن الغاوين ليسوا جزءا من عباد الله المخلصين. إن الشيطان لا يتلقف إلا الشاردين كما يتلقف الذئب الشاردة من القطيع. فأما من يخلصون أنفسهم لله. فالله لا يتركهم للضياع. ورحمة الله أوسع ، ولو تخلفوا فإنهم يثوبون من قريب.
فوائد :
١ ـ بمناسبة ذكر خلق آدم والجان في هذه المجموعة نذكر الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وأحمد عن عائشة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «خلقت الملائكة من نور وخلقت الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم».
٢ ـ من قوله تعالى : (قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ* قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ* إِنَّ عِبادِي لَيْسَ