فنرى سيبويه رجّح فى هذا الفصل رفع «غير» ، وإن كان «هو» محذوفا على حدّه تابعا ل «من» المذكور. والحديث ذو شجون ، جر هذا الحديث ما فيه تدافع يدفع أحدهما صاحبه ، فمن ذلك هذا ما نقلته لك.
ومنه قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) (١) ، يحرّك هنا شيئان : الابتداء بالنكرة ، أو أن تقدر الجملة تقدير المفرد فتجعله مبتدأ ، وإن لم يكن فى اللفظ ، فإمّا أن تقدّر : الإنذار وترك الإنذار ؛ سواء أو تقدّر : سواء عليهم الإنذار وتركه.
ولما كان هذا الكلام على هذا التجاذب قرأ من قرأ فى سورة يس : (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) (٢) ، فجعل «سواء» دعاء ، كما كان «ويل» و«ويح» و«ويس» (٣) و«جندل وترب» (٤) كذا.
ومما تجاذبه شيآن من هذا الجنس قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) (٥) / فتحمله على حذف الموصوف ، أو على حذف «أن» ، وكلاهما عنده كما ترى إلا أن حذف الموصوف أكثر من حذف «أن».
ومنه قوله تعالى : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا) (٦) إما أن تقدر : وممن حولكم من الأعراب منافقون مردوا ومن أهل المدينة ، أو تقدّر : ومن أهل المدينة إن مردوا.
ومن ذلك قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (٧) إما أن تقدّر «ليس» كصاحب صفته ، فتضمر المضاف ؛ أو تقدر زيادة «الكاف».
فهذا مما تجاذبه الحذف والزيادة ، وكان الحذف أكثر من الزيادة ، ومثله : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ) (٨)
__________________
(١) البقرة : ٦.
(٢) يس : ١٠.
(٣) ويس ، بمنزلة : ويل.
(٤) يقال في الدعاء : تربا له وجندلا. ومنهم من يرفعه ، وفيه مع ذلك معنى النصب.
(٥) الروم : ٢٤.
(٦) التوبة : ١٠١.
(٧) الشورى : ١١.
(٨) البقرة : ١٣٧.