ويحتمل أن يكون جعلها مأمنا ما جعل فيها من العلامة العظيمة على توحيد الله تعالى ، واختصاصه لها بما يوجب تعظيمها ما شوهد من مر الصيد فيها ، فإن سائر بقاع الحرم مشبهة لبقاع الأرض ، ويجتمع فيها الكلب والظبي ، فلا يهيج الكلب ، ولا ينفر منه الظبي ، حتى إذا خرجا من الحرم عدا الكلب عليه ، وعاد إلى النفور والهرب.
وقوله تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (١٢٥).
يدل على ركعتي الطواف وغيرهما من الصلوات.
وقوله : (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (١٢٥).
يدل من وجه على أن الطواف للغرباء أفضل ، والصلاة للمقيمين والعاكفين بها أفضل ..
ويدل على اشتراط الطهارة للطواف ، ويدل على جواز الصلاة في نفس الكعبة ردا على مالك في منع الصلاة المفروضة في الكعبة (١). دون النفل.
وأمره بتطهير نفس البيت يدل على الصلاة ـ التي شرعت الطهارة فيها ـ في نفس البيت.
ودل أيضا قوله تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)(٢) على جواز الصلاة (٣) ، إذ الشطى الناحية ، والمصلّى في البيت متوجه إلى ناحية منه.
__________________
(١) في الأحكام للجصاص «في البيت» وما هنا أوضح ، وهذا الاستدلال مأخوذ من الأمر بتطهير نفس البيت ، ومنه الكعبة ، ولو لم يشمل ذلك تطهير داخلها للركع السجود لكان المطلوب تطهير ما حولها فقط وهو ما أشار اليه هنا.
(٢) سورة البقرة آية ١٤٤.
(٣) أي فهي البيت.