(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً ، أَحْياءً وَأَمْواتاً)(١) ، وقال :
(إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها)(٢) الآية ..
ثم لم يقتصر فيما خلق من النبات والحيوان على الملذ دون المؤلم ، ولا على الغذاء دون السم ، ولا على الحلو دون المر ، بل مزج ذلك كله ليشعرنا أنه غير مريد منا الركون إلى هذه الدار ، لئلا تطمئن نفوسنا إليها فنشتغل بها عن الدار الآخرة التي خلقنا لها ، فكان النفع في خلق الدواب المؤذية كالنفع في اللذة السارة ، ليشعرنا في هذه الدار كيفية الآلام ، ليتضح الوعيد بألم الآخرة ، وينزجر عن القبائح ، فإذا رأى حرّا مفرطا تذكر نار جهنم فيتعوذ بالله منها ، وإذا رأى بردا مفرطا تذكر برد الزمهرير فيتعوذ منه ، واستدل بالقليل الفاني على الكثير الباقي ، وانزجر عن القبائح طلبا لنعيم محض لا يشوبه كدر.
وفي قوله تعالى : (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) (١٦٤) دلالة على إباحة ركوب البحر تاجرا وغازيا ، وطالبا صنوف المآرب.
وقال في موضع آخر :
«هو الّذي يسيّركم في البرّ والبحر» (٣). وقال :
«ربكم الّذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله» (٤) ..
__________________
(١) سورة المرسلات آية ٢٥ ، ومعنى كفاتا ، الموضع الذي يكفت فيه الشيء أي يضم ويجمع.
(٢) سورة الكهف آية ٧ ، ٨ وتمام الآية (لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ، وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً).
(٣) سورة يونس آية ٢٢.
(٤) سورة الأسراء آية ٦٦.