اعلم أن في ظاهر الآية وقفة للمتأمل ، فإن الله تعالى قال : يسئلونك ما ذا أحل لهم ـ ثم قال في الجواب ـ قل أحل لكم الطيبات وما علمتم ، ... فيقتضي أن يكون الحل المسئول عنه متناولا للمعلم من الجوارح المتكلبين ، وذلك ليس مذهبا لنا ولا لأحد ، فإن الذي يبيح لحم الكلب إن صح ذلك عن مالك ، فلا يخصص الإباحة بالمعلم ، فقل هذا في الكلام حذف وتقديره : قل أحل لكم الطيبات ـ ومن جملته ـ صيد ما علمتم من الجوارح.
ويدل عليه ما روي عن عدي بن حاتم قال : لما سألت رسول الله عن صيد الكلب ، لم يدر ما يقول حتى نزلت : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ).
وذكر بعض من صنف في أحكام القرآن (١) ، ما يدل على أن الآية تناولت ما علمنا من الجوارح ، وهو ينتظم الكلب وسائر جوارح الطير ، وذلك يوجب إباحة سائر الانتفاع ، فدل على جواز بيع الكلب والجوارح والانتفاع بها بسائر وجوه المنافع ، إلا ما خصه الدليل وهو الأكل ، وهذا في غاية البعد عن الحق.
فإن قول الله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ) لم يتناول السؤال عن وجوه الانتفاع بالأعيان في البياعات والهبات والإجارات ، فإنه لو كان كذلك ، لم يكن جوابه ذكر الطيبات وما علمتم من الجوارح ، ثم يقول في مساق ذلك : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) ، ولا يتعرض لسائر وجوه الانتفاع ، من البيع والهبة.
يدل على ذلك أن السؤال إنما يتناول الأكل فقط ، والجواب كان عن ذلك ، وكيف ينتظم في الكلام أن يسأل عما ينتفع به من الأشياء ،
__________________
(١) مثل القرطبي والشافعي والجصاص وابن عربي والصابوني.