ومن علمائنا من شرط فيه نية القربة ، لأنه رأى الطهارة واجبة تعبدا إلا أن وجوبها عند وجوب فعل آخر.
قالوا : الطهارة ليست واجبة تحقيقا ، وإنما الصلاة ممتنعة دونها ، كما أنها ممتنعة دون الستر والاستقبال وطهارة الثوب ، ولذلك نقول إنه إذا أراد قراءة القرآن وهو جنب اغتسل ، وإذا أراد دخول مسجد وهو جنب اغتسل (١) ، ليس لأن الطهارة واجبة في هذه الحالة ، وكيف تجب والذي يظهر له من الفعل غير واجب؟ وإنما يحرم ذلك الفعل دون وجود شرط جوازه وهو الطهارة ، وذلك ليس يبني عن وجوبه في نفسه.
وليس يمكن أن يقال أن وجوب الصلاة ، يدل على وجوب ما لا بد منه للصلاة. لأنه يقال : ليس يجب عليه الفعل في نفسه ، وإنما يحرم عليه أن يصلي محدثا ، أو أن يخرج عن كونه محدثا بإمرار الماء على الأعضاء ، سواء كان في ذلك الوقت ، أو توضأ قبله لمس مصحف أو قراءة قرآن وغير ذلك مما لا يجب من الأفعال.
ويدل على أن الوضوء واجب من حيث الحقيقة : أنه لو هوى من موضع عال من غير قصد منه ، إلا أنه على مسامتته ماء طاهر طهور ، ونوى الوضوء صح.
ومعلوم أن النية قصد ، والقصد يستدعي مقصودا. والمقصود ليس فعلا له ، ولا يمكن أن يقال إن حصوله في الماء فعله ، فإنه لا يتعلق باختياره ، فالذي لا اختيار له فيه ، كيف يقدر مقصودا له؟
وهذا كلام عظيم الوقع عند المتأملين.
ويجاب عنه بأن الطهارة واجبة حقيقة ، فإنها وإن وجبت عند وجوب
__________________
(١) انظر ما ذكره صاحب المغني في هذه المسألة في كتابه ج ١ ص ١٤٤ ـ ١٤٩.