عن قوّة. وذلك أنّ القوّة سببٌ فاعلٌ للفِعْل ، والفِعْلُ مُسبِّب لها ، وكلّ واحد منهما يصلح أنْ يكون مُعَرِّفاً للآخر ، لكنّ تعريف الفعل بالقوّة تعريف حَدّى والعِلْم المأخوذ منه كَمّىّ ، وتعريف القوّة بالفعل تعريف رَسْمىّ والعلم المأخوذ منه آنِىّ. فالجهة مُختلفة. وبهذا يندفع ما ظُنّ أنّهما من التّسلسل الباطل لأنّه جعل كلَّ واحدٍ منهما مَوقوفا على الآخر لكنّهما مختلفان.
والحقّ أنّ القوّة عِلّة فاعِليّة لأفعال بَدَنِ الانسان ، والأفعال عِلّة غائيّة له وكلتاهما خارجٌ عن ماهيّته. وكذا المِزاج خارجٌ عن ماهيّته بخلاف الخمسة الباقية من الأمور الطّبيعية فانّها مُقَوِّماتٌ لماهيّته. وبهذا الاعتبار تكون أجناسا وفُصولاً ، وبحسب الوجود الخارجىّ تكون مادّة وصُورة.
فالقوّة مبدأ جسمانىّ للفعل. والطّبيب اذا عالج بدنه فانّه ب" نفسِه" يعالج بدَنَه. والنَّفس أو قُواها مبدأ لتغيّر البدن ، وهما مُتغايران فى الحقيقة ، وانْ كان الطّبيب المعالِج لنفسه ، يشتمل على النّفس والبدن وأجناسِ الأفعال الصّادرة عنهما.
وأجناس القُوى ثلاثة : جِنْس القُوَى النّفسانية ، وجنس القُوَى الطّبيعيّة ، وجنس القوى الحيوانيّة. وكثيرٌ من الفلاسفة وعامّة الأطبّاء ، وخُصوصا جالينوس ، يَرى أنّ لكلّ واحد من القُوَى عُضوا رئيسا هو معدنها وعنه تَصدر أفعالها ، حيث أنّ القوّة النّفسانيّة مَسْكَنُها ومَصْدَرُ أفعالِها الدّماغُ ، وأنّ القوّة الطّبيعيّة لها نوعان ، نَوع غايتُه حفظ الشّخص وتدبيرُه وهو المتصرِّف فى أمر الغذاء ليغذو البدن الى نهاية بقائه وينمّيه الى نهاية نُشوئه ، ومَسْكَنُ هذا النَّوعِ ومَصدرُ فعلِه الكبدُ. ونَوع غايته حفظ النّوع وهو المتصرِّف فى أمر التّناسل ليفصل من أمشاج جَوهر البَدَن جَوْهَرَ المنىّ ثمّ يُصَوِّرُه باذْن خالقه ، ومَسْكَن