مِنْ بَيْنِنا) [القمر : ٢٥] ـ ليس المقصود بقوله استنكار الكفار أن الرسول صلىاللهعليهوسلم قد ظهر فى وسطهم ، بل هو استنكارهم أنه قد اختير من بينهم ، وهم كثير.
وهذا الرأى تؤيده الأحاديث النبوية الشريفة. فقد روى عنه صلىاللهعليهوسلم كلمته الشهيرة فى كفار مكة «لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله عزوجل ..». وقوله صلىاللهعليهوسلم «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا». وفى الحديث أيضا «إن الله خلق للجنة أهلا ، خلقها لهم وهم فى أصلاب آبائهم».
نخرج من ذلك كله بأمر واضح ومؤكد ، هو أن الأصلاب هى أصل خلق الإنسان ، لا أنه مخلوق من مكان وسط بين الصلب والترائب.
ما هو الشىء الذى يخرج من الصلب والترائب؟
اتفق الجميع ، قديما وحديثا ، على أن الذى يخرج هو الماء الدافق. لكن مفسرا واحدا انفرد بالذهاب الى أن المقصود هو الإنسان المولود لا الماء الدافق ، لاعتقاده بأننا (إذا أرجعنا ضمير يخرج إلى الماء الدافق كما فعل المسلمون حتى الآن فهذا جائز حسب قواعد اللغة لقربه من الماء الدافق ، ولكن هذا لم يمنع من إرجاع الضمائر الأبعد منه كالهاء فى «رجعه» والهاء فى «فما له» للإنسان الذى ورد ذكره قبل الماء). وقد خلص من ذلك إلى أن (الجنين يكون أثناء الحمل وفى تمامه وحين يخرج ـ أى أثناء الولادة ـ بالضبط بين الصلب والترائب. وأن الله تعالى يلفت نظرنا إلى عملية الولادة المعقدة التى تستحيل حساباتها وترتيباتها على غيره سبحانه).
وأضاف هذا المفسر قائلا بأن (الخط الواصل بين الصلب والترائب ينطبق على محور الجنين فى أكثر من ٩٧ خ من الحالات فى المجيئات الطولانية الرأسية أو المقعدية ويكون أحد قطبيه قريبا من الصلب والآخر قريبا من الترائب. إذن لم يعد هناك شك فى أن ضمير يخرج عائد إلى الإنسان) (١).
__________________
(١) هذا المفسر هو الدكتور مأمون شقفة فى كتابه (القرآن المكين).