(أَبى وَاسْتَكْبَرَ) عما أمر به ، وترفّع على آدم ، وخالف أمر ربّه (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) في علم الله وصار منهم باستكباره واحتقاره لنبيّه (ع)!.
٣٥ ـ (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) ... أنت : تأكيد للمستكن ليعطف عليه (الجنّة) اللام فيها للعهد ، والمعهود هو هذه. وقيل هي من جنان الدنيا وتغرب فيها الشمس والقمر. ولكنّ الظاهر من الآيات ومن لفظة (اهبطوا) وخلق آدم في السماء كما هو ظاهر كثير من الروايات ، بل صريحها. أنّ الجنة هي جنة سماوية ، أكانت جنة الخلد أم غيرها. (وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما) أي أكلا واسعا وافرا بلا عناء من أي مأكول تريدان (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) أي شجرة الحنطة على ما هو المشهور. وهذا النّهي تنزيهيّ لا تحريميّ. وقد علّق النهي فيه على الاقتراب من الشجرة ، لأن القرب من الشيء يغري به ويكون مقدّمة لفعله. والنهي عن المقدمة نهي عن ذيها أكيدا ، ولذلك قال سبحانه (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) لنفسيكما بالإقدام على ما ليس فيه صلاح لكما. والظّلم هو النقص في الحظّ والنّصيب ، فكأنّهما لمّا أكلا من الشجرة أنقصا حظّهما الذي قدّر لهما في حال عدم الأكل منها. والمعنى الآخر للظلم في اللغة هو وضع الشيء في غير موضعه. وهذا ينطبق أيضا على المقام لأنهما وضعا الأكل في موضع الكف ، فتركا الأولى.
٣٦ ـ (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) : أي حملهما على عدم الثبوت في أمرهما وأزاحهما عن فكرة الكف. (فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) من النّعم الجزيلة والمواهب السنيّة (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) والخطاب من الله تعالى ، صدر بنزول آدم وحواء بما استبطناه من ذريتهما وإبليس. وهكذا أصبح آدم وحواء وما ولدا من الذّرية ، أعداء لإبليس وذريته ، وهو وذريته لهم عدوّ. إلى الوقت الذي حدّد تعالى بقوله (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) فالأرض هي مكان بقائكم وموضع سكنكم ومنافعكم ومتعكم ومعاشكم ومعادكم ، وأنتم فيها إلى وقت آجالكم ، أو إلى يوم قيامتكم.
٣٧ ـ (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) : أي استقبلها وأخذها بالقبول. والكلمات يحتمل أن تكون قوله تعالى : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) ... الآية. أو الأسماء الطيبة الخمسة لأهل الكساء (ع) ففيها أقوال عرضت لها التفاسير المفصّلة (فَتابَ عَلَيْهِ) قبل الله توبته (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ) كثير القبول للتوبة. (الرَّحِيمُ) الواسع الرحمة والإشفاق على العباد.
٣٨ ـ (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً) : انزلوا من السماء إلى الأرض كلكم ، بعد تلقّي الكلمات وبعد التوبة ، نزولا وهبوطا حقيقيا فعليا تكليفيا إثباتيّا. والضمير في (منها) راجع إلى السماء أو الجنّة. والجميع : تعني المخالفين للنهي ، والسّاعين لهما في المكيدة ، (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) أي إن يأتكم منّي هدى على لسان رسول أو بكتاب (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) فمن اقتنع ومشى بحسب هداي وطريقتي نجا وفاز ولا خوف ولا حذر عليه ، ولا يصيبه ما يحزنه ويكدّره.
٣٩ ـ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) ... أي جحدوا ولم يصدّقوا بآياتي ، (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) فهم أهل النار ، وسأخلّدهم في جهنّم خلودا سرمديا جزاء استكبارهم وكفرهم.
٤٠ ـ (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ) ... يا أولاد يعقوب الذي هو إسرائيل ، (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ). لا تنسوا أبدا نعمي التي أهمّها إنجاء آبائكم من فرعون والغرق (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) أي أوفوا بميثاقي عليكم في عالم الذّر ، من الإيمان بي وبرسلي وكتبي المنزلة إليكم ، وبما فيها من الشرائع والأحكام. فإذا وفيتم بهذه المذكورات وفيت بما عاهدتكم عليه من الأجر والثواب (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) أي خافوني. والرهبة خوف التحرّز.
٤١ ـ (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) ... صدّقوا بالقرآن الذي أنزلت على محمد (ص) فهو يصدّق كتبكم السماوية من التوراة والإنجيل وغيرهما ، (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) فهو يحذّرهم إنكار ما أنزل ، ويعرّض بهم خاصة ، لأنهم أهل كتب والواجب عليهم أن يكونوا أول المؤمنين به ، لكونهم عارفين به وبصفاته وبكيفية بعثته. قد قرءوها في كتبهم ، وأخبرهم بها أحبارهم ورهبانهم. فهذا الذي كان مترقّبا منهم ، لا أن يكونوا أول الكافرين به. (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) لا تستبدلوا حججي برئاسة دنيويّة مؤقّتة هي لكم في قومكم ، تنالون فيها الرّشى