والتحف والهدايا على تحريف الحق وكتمانه. (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) تجنّبوا بطشي باتباع الحق ومجانبة غيره.
٤٢ ـ (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ) ... أي لا تجعلوا الحق الواضح مشتبها بالباطل ومختلطا به. (وَتَكْتُمُوا الْحَقَ) تخفوا نعوت محمد (ص) الموجودة في كتبكم المنزلة من عند ربّكم ، وتخفون الحق (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) تعرفون ذلك.
٤٣ ـ (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) ... أي أقيموا صلاة المسلمين وادفعوا زكاتهم. وهي صريحة بأن الكفّار مخاطبون بالفروع كالأصول. والظاهر في خصوص الزكاة في خصوص هذا المورد وأمثاله أنها الزكاة المالية ، وقيل هي زكاة الفطرة. (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ). ذكر سبحانه الركوع بعد ذكر ما تشتمل عليه الصلاة ، لأنه يكشف عن الخضوع الخاصّ الذي ليس في غيره ، ولذا خصّه تعالى بالذّكر. وقيل إن صلاة اليهود ليس فيها ركوع ولذا أمرهم به.
٤٤ ـ (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) ... جاءت في مقام التعجّب والتوبيخ. والبرّ العطاء ، والمراد منه هنا كلّ خير (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) تتركونها معفاة من ذلك؟ .. (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) تقرأون التوراة. (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ألا تدركون أيّ قبح يترتّب على عدم امتثالكم وتناسيكم أنفسكم؟.
٤٥ ـ (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) ... أطلبوا العون لأنفسكم بالصّبر على اتّباع الحق ورفض المال والجاه ، وبكف النفس عن مشتهياتها وميلها إلى المعاصي ، وضعفها عن الطاعات. وقيل إن الصبر في الآية هو الصيام. (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) أي الصلاة. ويحتمل أن يكون الضمير راجعا إلى الاستعانة. والمراد بكبرها كونها ثقيلة شاقة (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) المتواضعين الخاضعين لله تعالى.
٤٦ ـ (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) ... يظنّون هنا : يعتقدون لقاء الله وحسابه يوم البعث. فالظنّ هنا : العلم ، لأن الخاشعين بعيدون غاية البعد عن الظّن بلقاء ربّهم وبالبعث والنشور والثواب والعقاب ، بل هم العالمون بذلك علما يقينا ، وخشوعهم يكشف عن علمهم الذي ذكرناه. (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) معادون يوم القيامة للنّعيم والجنان والجزاء الأوفى.
٤٧ ـ (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) ... كرّر الخطاب لتنشيط السامع وترغيبه بلذة المتابعة. فقد روى أن لذّة النّداء أزالت مشقّة التكليف. فالتكرار هنا ليس مستهجنا ، بل له فوائد جليلة ، وتترتّب عليه آثار كثيرة. فعلى هذا الأساس قال سبحانه (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) حيث إني بعثت منكم نبيّا ـ موسى (ع) ـ وخلّصتكم من ظلم فرعون وقومه ، وأنزلت عليكم المنّ والسّلوى (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) أي فضّلت أسلافكم على عالمي زمانهم تفضيلا دينيّا لأنهم آمنوا برسلي وأجابوا دعوتي ، وجعلت منكم ملوكا دنيويّين ورزقتكم من الطيّبات.
٤٨ ـ (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) : أي تجنّبوا يوم عذاب لا ينقضي ، ولا تتحمّل فيه نفس عن نفس شيئا ولا تقضي عنها حقّا ولا تخفّف عن كاهلها جزاء. (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) إذ ترفض شفاعة نفس عن نفس. والشفاعة من الشّفع ، وهو الزّوج من العدد ، فكأن المشفوع له (الفرد) يصير شفعا (زوجا) بضمّ الشفيع نفسه إليه. (وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) أي لا يقبل منها فدية تعدل الجرم وتوازنه ... (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) ولا ينجحون وينجون من العذاب بإعانة معين ولا بنصرة ناصر ، بل يبقون فيه أبد الأبد.
٤٩ ـ (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) ... أصل الآل : أهل ، لأنه يصغّر على أهيل. وفرعون : لقب كل ملك من العمالقة في مصر ، كقيصر وكسرى لملكي الرّوم والفرس. وفرعون موسى (ع) هو مصعب بن الرّيان أو ابنه وليد. وفرعون يوسف (ع) الرّيان. وبينهما أكثر من أربعمائة سنة. (يَسُومُونَكُمْ) أي يهينونكم ويذلّونكم ويذيقونكم (سُوءَ الْعَذابِ) أشدّه وأسوأه (يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ) يقتلون الذكور من أولادكم إمّا ببقر بطون الحوامل وإخراجهم وقتلهم ، وإمّا بذبحهم بعد الولادة. (وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) يستبقونهن إماء للخدمة والنكاح. (وَفِي ذلِكُمْ) أي في صنيعهم معكم ، وإنجائكم منهم (بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) محنة واختبار صعب كبير.
٥٠ ـ (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) ... أي اذكروا حينما فصلنا البحر فرقا وجعلنا فيه مسالك تعبرون منها للخلاص (فَأَنْجَيْناكُمْ) خلّصناكم من كيدهم (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ) أطبقنا لجج الماء عليهم (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) ترون إغراقهم ..
٥١ ـ (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ