لَيْلَةً) ... واعده : ضرب معه موعدا وجعل له ميقاتا بأن ينزل عليه التوراة بعد هلاك فرعون بثلاثين يوما ، هي ليالي تمام ذي القعدة وعشرة من ذي الحجة. وقد عبّر عن الفترة بالليالي لأنها غرّة الشهور ، وفي الليالي يستهلّ القمر الذي يحدّد الشّهر بمنازله يوما بعد يوم. (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) اتّخذتموه إلها تعبدونه بتسويل السامريّ (مِنْ بَعْدِهِ) بعد مضيّ ميقات عودة موسى بالتوراة. (وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) لأنفسكم بشرككم.
٥٢ ـ (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) : غفرنا لكم عبادة العجل بعد التوبة وتجاوزنا عن جرمكم (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) تحمدون الله الذي عفا عنكم.
٥٣ ـ (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) ... أعطيناه التوراة (وَالْفُرْقانَ) آياته ومعجزاته المفرّقة بين الحق والباطل (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أملا بأن ترشدوا بما فيه.
٥٤ ـ (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) ... أذكر يا محمّد يوم خاطب موسى قومه قائلا (يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ) أي ارجعوا إلى عبادة خالقكم ، وأقلعوا عن ذنبكم العظيم. والبارئ من برأ : خلق من العدم ، ومنه البريّة أي الخليقة وجمعها البرايا. (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) إظهارا للتوبة وفرط النّدم. والظاهر أن التائب كان يقتل نفسه إمّا بأن يباشر المرء قتل نفسه ، وإمّا بأن يقاتل العبدة فيقتل بعضهم بعضا حتى يجيء أمر الله بقبول التوبة فيرفعوا اليد عن المقاتلة بعدها (ذلِكُمْ) أي قتل أنفسكم توبة وندما (خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ) أحسن بنظر خالقكم من بقائكم أياما قليلة في الدنيا تموتون بعدها فتخلّدون في النار .. وفي ذكر لفظة (بارئكم) مرة ثانية تقريع لبني إسرائيل على تركهم عبادة البارئ إلى عبادة العجل. وإذ فعلتم ذلك (فَتابَ عَلَيْكُمْ) ويحتمل أن تكون هذه الجملة من قول موسى (ع). والتقدير : ما زلتم قد فعلتم ما أمركم ربكم فقد تاب عليكم. (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) القابل للتوبة مرة بعد مرة.
٥٥ ـ (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ). لن نصدّقك ونعترف بنبوّتك وبأن الله تعالى أرسلك (حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) ننظر إليه عيانا وعلنا. (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) ذلك أنهم سألوا أمرا عظيما عنده سبحانه إذ طلبوا رؤيته مع أن المرئيّ ينبغي أن يكون مواجها وأن يكون جسما وهذا محال بحقه تعالى. فأخذتهم الصاعقة السماوية بغتة لخطورة ما رغبوا فيه ، فأحرقتهم بلا مهلة حريق استئصال. أو أنها كانت صيحة عذاب ، أو قصف رعد مهلك ، فماتوا في الحال التي هم عليها وهم ينظرون إلى الصاعقة تنزل عليهم.
٥٦ ـ (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) ... أي أحييناكم. بعد الموت. (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) تحمدون الله على إحيائكم بعد إماتتكم بالصاعقة.
٥٧ ـ (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ) ... بسطنا عليكم ظلّ الغمام في صحراء التّيه ، وجعلناه فوق رؤوسكم ليقيكم حرّ الشمس (وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَ) يقال إنه كان كالصّمغ يسقط على الأشجار. وهو ألذّ من الشّهد وأنصع من الثلج (وَالسَّلْوى) الطير الدّسم المعروف ، وهو من أطيب الطيور. وقيل إنه كان ينزل عليهم مشويّا عند العشاء فإذا أكلوا وشبعوا منه رفع. (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) يعني قلنا لهم. كلوا من هذا المباح اللذيذ. (وَما ظَلَمُونا) لم يلحقوا بنا ظلما بكفرهم هذه النّعم وتبديل الكفر بالشكر (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) يضرّونها ويجحفون بحقّها.
٥٨ ـ (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) ... أي بيت المقدس بدليل قوله تعالى في مكان آخر : (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ) بعد خلاصهم من التيه. (فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً) كلوا ما أردتم من أنواع الأطعمة أكلا رغدا : واسعا هنيئا. (وَادْخُلُوا الْبابَ) مدخل القرية أو القبّة التي كانوا يصلّون إليها (سُجَّداً) خاضعين ساجدين شكرا لله (وَقُولُوا حِطَّةٌ) من حطّ الحمل عن ظهر الدابّة : أنزله. يعني : قولوا حال سجودكم : نرجو أن يكون فعلنا سببا لحطّ ذنوبنا وكفارة لخطايانا. فإذا قلتم ذلك (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ) نتجاوز عن ذنوبكم السالفة ، (وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) مع المغفرة زيادة أجر ، ونكثر لمن أطاع وأحسن منكم.
٥٩ ـ (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) ... أي غيّروا ، ووضعوا مكان الدعاء بحطّ الذنوب قولا غيره كقول بعضهم : حنطة ، استهزاء بالتكليف!. وقيل إن بعضهم وضع مكان السجدة الزحف على استه نحو الباب ، سخرية واستخفافا بأمر الله عزوجل!. (فَأَنْزَلْنا