سورة البقرة
مدنية ، وعدد آياتها ٢٨٦ آية
آ ـ فضلها : سئل النبيّ (ص) : أيّ سور القرآن أفضل؟ قال : البقرة. قيل : أيّ آي البقرة أفضل؟. قال : آية الكرسي. وقال الصادق (ع): من قرأ البقرة وآل عمران جاء يوم القيامة تظلّانه على رأسه مثل الغمامتين. ب ـ نزولها : مدنية وآياتها مائتان وستّ وثمانون آية. كلّها نزلت بالمدينة إلّا آية منها نزلت بمنى وهي قوله : واتّقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ... ج ـ التفسير :
١ ـ (الم) : قيل : هذا وما يأتي من الألفاظ المتهجّى بها : أسماء ، مسمّياتها الحروف التي منها ركّبت الكلم. والدليل صدق حدّ الاسم عليها ، مع قبولها لخواصّ الاسم. ولعل السرّ في النطق بهذه الألفاظ هو إشارة منه تعالى إلى أن «كتابنا» هذا ركّب من هذه الحروف الهجائية التي تنطقون بها نهارا وليلا. فإن كنتم في ريب مما نزّلنا على عبدنا فأتوا بمثله وأنتم عرب فصحاء. فإن عجزتم انكشف أن هذا القرآن من فعل غير المخلوق ، وعمل من هو وراء الطّبيعة ، فينبغي أن يتحدّى به كما تحدّى بقوله : فأتوا بسورة إلخ ... وقيل : هي أسماء للقرآن. وقيل إنها قسم أقسم الله تعالى بها لشرفها وعظمتها لكونها مباني كتبه وأسمائه وصفاته. وورد عن أئمتنا عليهمالسلام أنها من المتشابهات التي استأثر الله نفسه بعلمها ولا يعلم تأويلها غيره.
٢ ـ (ذلِكَ الْكِتابُ) : يحتمل أن يكون «ذلك» إشارة إلى القرآن ، أي الكتاب الذي أخبر به موسى بن عمران ، أو عيسى بن مريم فأخبرا بني إسرائيل. بهذا الكتاب الذي أفتتح ب ألم (لا رَيْبَ فِيهِ) من راب يريب ، إذا حصل فيه الرّيبة أي الشك. وحقيقة الريبة قلق النفس واضطرابها. والمعنى أنه ـ من وضوح دلالته ـ لا ينبغي أنه يرتاب فيه عاقل ، فإنه لا مجال للريبة فيه. (هُدىً) مصدر. وهو الرشاد ، والبيان ، والدلالة. وهو ضد : الضلال. (لِلْمُتَّقِينَ) : والمتّقي : اسم فاعل من وقاه فاتّقي. والوقاية فرط الصيّانة ، وشرعا من وقى نفسه الذنوب. وفسّر المتّقون بالذين يتّقون الموبقات. وهذا التفسير أعمّ من سابقه ، لأن الموبقات تشمل الذنوب وغيرها. واختصاصه بالمتقين ، لأن لهم كفاية الاهتداء على ضوئه وزيادة قابليته ، وإلا فكثير من الناس يهتدون به.
٣ ـ (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) : الإيمان إفعال ، من آمن ، بمعنى صدّق ، وضد التكذيب. وحقيقة الإيمان شرعا هو المعرفة بالله وصفاته ، وبرسله وبما جاؤوا به ، ويلازمه التصديق بهم. وإلا فالتصديق بلا عرفان لسانيّ لا يترتب عليه أيّ أثر واقعي كالإسلام اللساني. بل هما مترادفان. والغيب : مصدر ، بمعنى الغائب والمغيّب ، أي ما يستتر عن الحواسّ الظاهرية. بل يمكن أن يقال : إن المراد به : الخفيّ الذي لا يعلمه العباد إلا بإرشاد الله تعالى وهدايته. (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) : من أقام العمود إذا قوّمه واستقامه. والمراد هنا هو أن يعدّلوا أركان الصلاة ، ويأتوا بواجباتها على أصولها ومقرّراتها المشروعة حتى لا يقع فيها زيغ ولا يتطرّق إليها باطل. (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) : والرّزق لغة الحظّ والنّصيب ، وعرفا إعطاء الله تعالى للحيوان ما ينتفع به كلّ بحسبه ، فبالإضافة إلى الإنسان هو الأموال ، والقوى ، والأبدان السالمة ، والجاه ، والعلم ، وفي رأس هذه النّعم التوفيق لصرف كل واحدة منها في محلّها وفيما خلقت لأجله. ومن إسناد الرزق إلى نفسه سبحانه ، ومدحهم بالإنفاق ، نستفيد النّعم التوفيق لصرف كل واحدة منها في محلّها وفيما خلقت لأجله. ومن إسناد الرزق إلى نفسه سبحانه ، ومدحهم بالإنفاق ، نستفيد أن الحرام خارج عنه وليس منه لتنزّه ساحته السامية وارتفاع مقامه العالي جلّ وعلا عن القبائح ، وعدم قابلية الحرام لمدح منفقه. والإتيان (بمن) التبعيضيّة رمز إلى أنهم في الإنفاق منزّهون عن الإسراف والتبذير.
٤ ـ (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) : المراد بما أنزل : هو القرآن ، والشريعة بأسرها (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) من الكتب السماوية الماضية والشرائع السابقة (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) أي يعلمون تمام العلم من غير شك وترديد .. وتحصيل اليقين بالآخرة له طريقان : الأول بإخبار الصادق المصدّق ، والثاني بالمعجزة. ولليقين ثلاث مراتب : الأولى علم اليقين. والثانية عين اليقين وهي فوق مقام علم اليقين. والثالثة حق اليقين. وهي أرقى من السابقتين. فالسالك بعد إكمال المرتبة الثانية ، وارتقائه في يقينه بنتيجة رياضاته النفسانية ، يصل إلى مقام يصير فيه بصره حديدا وسمعه شديدا ، فيرى ما لا ترى عيون غيره من الناس ، ويسمع ما لا تسمع آذانهم ، ويدرك ما لا يخطر على قلوب أقرانه ، إذ ترتفع الحجب ، وتزول الأغطية ، فيرى الأشياء على ما هي عليه بحقائقها وبواطنها وكما يرى ظواهرها سواء بسواء.
٥ ـ (أُولئِكَ عَلى