تقول في حيوان في البحر على صورة الخنزير؟ فقال حلال ـ فقيل له ـ في ذلك فقال : إن الله تعالى حرم الخنزير ولم يحرم ما هو على صورته ، والسؤال مختلف في الصورتين.
(وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ) أي ما وقع متلبسا به أي بذبحه الصوت لغير الله تعالى ، وأصل الإهلال عند كثير من أهل اللغة رؤية الهلال لكن لما جرت العادة أن يرفع الصوت بالتكبير إذا رئي سمي بذلك إهلالا ، ثم قيل لرفع الصوت وإن كان بغيره ، والمراد ـ بغير الله ـ تعالى الصنم وغيره كما هو الظاهر ، وذهب عطاء ومكحول والشعبي والحسن وسعيد بن المسيب إلى تخصيص الغير بالأول وأباحوا ذبيحة النصراني إذا سمى عليها باسم المسيح ، وهذا خلاف ما اتفق عليه الأئمة من التحريم وإنما قدم به هنا لأنه أمس بالفعل وأخر في مواضع أخر نظرا للمقصود فيها من ذكر المستنكر وهو الذبح لغير الله عز شأنه (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ) بالاستتار على مضطر آخر بأن ينفرد بتناوله فيهلك الآخر (وَلا عادٍ) أي متجاوز ما يسد الرمق والجوع وهو ظاهر في تحريم الشبع وهو مذهب الأكثرين فعن الإمام أبي حنيفة والشافعي رضي الله تعالى عنهما لا يأكل المضطر من الميتة إلا قدر ما يمسك رمقه لأن الإباحة للاضطرار ، وقد اندفع به ، وقال عبد الله بن الحسن العبري : يأكل منها قدر ما يسد جوعته ، وخالف في ذلك الإمام مالك فقال : يأكل منها حتى يشبع ويتزود فإن وجد غني عنها طرحها ، ونقل عن الشافعي أن المراد (غَيْرَ باغٍ) على الوالي (وَلا عادٍ) بقطع الطريق وجعل من ذلك السفر في معصية فالعاصي في سفره لا يباح له الأكل من هذه المحرمات ـ وهو المروي عن الإمام أحمد أيضا ـ وهو خلاف مذهبنا ، ويحتاج حكم الرخصة على هذا إلى التقييد بأن لا يكون زائدا على قدر الضرورة من خارج ، واستدل بعموم الآية على جواز أكل المضطر ميتة الخنزير والآدمي خلافا لمن منع ذلك ، وقرأ أهل الحجاز والشام والكسائي (فَمَنِ اضْطُرَّ) بضم النون وأبو جعفر منهم بكسر الطاء من اضطر (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) أي في تناوله بل ربما يأثم بترك التناول (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فلذا أسقط الحرمة في تناوله ورخص ، وقيل : الحرمة باقية إلا أنه سقط الإثم عن المضطر وغفر له لاضطراره كما هو من تقييد الإثم بعليه ، واستدل للأول بقوله تعالى : (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) [الإنعام : ١١٩] حيث استثني من الحرمة ، ثم أعلم أنه ليس المراد من الآية قصر الحرمة على ما ذكر مطلقا كما هو الظاهر حتى يرد منع الحصر بحرمة أشياء لم تذكر بل مقيد بما اعتقدوه حلالا بقرينة أنهم كانوا يستحلون ما ذكر فكأنه قيل : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ) ما ذكر من جهة ما استحللتموه لأشياء أخر ، والمقصود من قصر الحرمة على ما ذكر رد اعتقادهم حليته بأبلغ وجه وآكده فيكون قصر قلب إلا أن الجزء الثاني ليس لرد اعتقاد الحرمة إذ لم يعتقدوا حرمة شيء مما استحلوه بل تأكيد الجزء الأول ، والخطاب للناس باعتبار دخول المشركين فيهم فيكون مفاد الآية الزجر عن تحليل المحرمات كما أن (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا) زجر عن تحريم الحلالات ؛ أو المراد قصر حرمة ما ذكر على حال الاختيار ، كأنه قيل : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ) هذه الأشياء ما لم تضطروا إليها ، والأنسب حينئذ أن يكون الخطاب للمؤمنين ليكون محط الفائدة هو القيد حيث كانوا معتقدين لحرمة هذه الأمور ، وفائدة الحكم الترخيص بعد التضييق عليهم بطلب الحلال الطيب ، أو تشريفهم بالامتنان بهذا الترخيص بعد الامتنان عليهم بإباحة المستلذات ، واختار بعضهم أن المراد من الحصر رد المشركين في تحريمهم ما أحله الله تعالى ـ من البحيرة والوصيلة والحام ـ وأمثالها لأكلهم من هذه المحرمات المذكورة في الآية ، فكأنهم قالوا : تلك حرمت علينا ولكن هذه أحلت لنا ، فقيل : ما حرمت إلا هذه ـ فهو إذا إضافي ـ وذهب آخرون إلى أنه قصر إفراد بالنسبة إلى ما حرمه المؤمنون مع المذكورات من المستلذات ، وفيه أن المؤمنين لم يعتقدوا حرمة المستلذات بل حرموها على أنفسهم لما سمعوا من شدائد المحاسبة والسؤال عن النعم ، قاله بعض المحققين فليتدبر.