لا محل لها على أنها مستأنفة ، وجملة (يَدْعُونَهُ) صفة لأصحاب. وقوله سبحانه : (ائْتِنا) يقدر فيه قول على أنه بدل من (يَدْعُونَهُ) أو حال من فاعله. وقيل : محكي بالدعاء لأنه بمعنى القول. وهذا مبني على الخلاف بين البصريين والكوفيين في أمثال ذلك. والمشهور التقدير أي يقول ائتنا. وفيه إشارة إلى أنهم مهتدون ثابتون على الطريق المستقيم وأن من يدعونه ليس ممن يعرف الطريق ليدعى إلى إتيانه وإنما يدرك سمت الداعي ومورد النعيق.
وقرأ ابن مسعود كما رواه ابن جرير وابن الأنباري عن أبي إسحاق «بينا» على أنه حال من الهدى أي واضحا (قُلْ) لهؤلاء الكفار (إِنَّ هُدَى اللهِ) الذي هدانا إليه وهو الإسلام (هُوَ الْهُدى) أي وحده كما يدل عليه تعريف الطرفين أو ضمير الفصل وما عداه ضلال محض وغي صرف. وتكرير الأمر للاعتناء بشأن المأمور به أو لأن ما سبق للزجر عن الشرك وهذا حث على الإسلام وهو توطئة لما بعده فإن اختصاص الهدى بهداه تعالى مما يوجب امتثال الأوامر بعده (وَأُمِرْنا) عطف على (إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) داخل معه تحت القول ، واللام في قوله سبحانه : (لِنُسْلِمَ) للتعليل ومفعول أمرنا الثاني محذوف أي أمرنا بالإخلاص لكي ننقاد ونستسلم (لِرَبِّ الْعالَمِينَ) ، وقيل : هي بمعنى الباء أي «أمرنا» بالإسلام. وتعقبه أبو حيان بأنه غريب لا تعرفه النحاة ، وقيل : زائدة أي أمرنا أن نسلم على حذف الباء ، وقال الخليل ، وسيبويه ، ومن تابعهما : الفعل في هذا وفي نحو (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) [النساء : ٢٦] مؤول بالمصدر وهو مبتدأ واللام وما بعدها خبره أي أمرنا للإسلام ، وهو نظير ـ تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ـ ولا يخفى بعده.
وذهب الكسائي والفراء إلى أن اللام حرف مصدري بمعنى أن بعد أردت وأمرت خاصة فكأنه قيل : وأمرنا أن نسلم ، والتعرض لوصف ربوبيته تعالى للعالمين لتعليل الأمر وتأكيد وجوب الامتثال به.
وقوله تعالى : (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ) أي الرب في مخالفة أمره سبحانه بتقدير حرف الجر وهو عطف على الجار والمجرور السابق ، وقد صرح بدخول أن المصدرية على الأمر سيبويه وجماعة ، وجوز أن يعطف (أَنْ أَقِيمُوا) على موضع (لِنُسْلِمَ) كأنه قيل : أمرنا أن نسلم وأن أقيموا. وقيل : العطف على مفعول الأمر المقدر أي أمرنا بالإيمان وإقامة الصلاة ، وقيل : على قوله تعالى : (إِنَّ هُدَى اللهِ) إلخ. أي قل لهم إن هدى الله هو الهدى وأن أقيموا ، وقيل : على (ائْتِنا) ، وقيل : غير ذلك.
وذكر الإمام أنه كان الظاهر أن يقال : أمرنا لنسلم ولأن نقيم إلا أنه عدل لما ذكر للإيذان بأن الكافر ما دام كافرا كان كالغائب الأجنبي فخوطب بما خوطب به الغيب وإذا أسلم ودخل في زمرة المؤمنين صار كالقريب الحاضر فخوطب بما يخاطب به الحاضرون.
وقوله سبحانه : (وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) جملة مستأنفة موجبة للامتثال بما أمر به سبحانه من الأمور الثلاثة ، وتقديم المعمول لإفادة الحصر مع رعاية الفواصل أي إليه سبحانه لا إلى غيره تحشرون يوم القيامة.
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي هذين الأمرين العظيمين. ولعله أريد بخلقهما خلق ما فيهما أيضا ، وعدم التصريح بذلك لظهور اشتمالهما على جميع العلويات والسفليات. وقوله سبحانه : (بِالْحَقِ) متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل (خَلَقَ) أي قائما بالحق ، ومعنى الآية حينئذ كما قيل كقوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) [ص : ٢٧] وجوز أن يكون حالا من المفعول أي متلبسة بالحق ، وأن يكون صفة لمصدر الفعل المؤكد أي خلقا متلبسا بالحق (وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُ) تذييل لما تقدم ؛ والواو للاستئناف. واليوم بمعنى الحين متعلق بمحذوف وقع خبرا مقدما و (قَوْلُهُ) مبتدأ و (الْحَقُ) صفته. والمراد