القتل مطلقا عليه باعتبار أن الفواحش بهذا المعنى مع كونها في نفسها جناية عظيمة في حكم قتل الأولاد فإن أولاد الزنا في حكم الأموات. وقد روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال في حق العزل : «ذاك وأد خفي» وعلى القول الآخر لا يظهر وجه توسيط هذا العام بين أفراده ويكون توسيطه بين النهيين من قبيل الفصل بين الشجر ولحائه ، وتعليق النهي بقربانها إما للمبالغة في الزجر عنها لقوة الدواعي إليها. وإما لأن قربانها داع إلى مباشرتها.
(وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ) أي حرم قتلها بأن عصمها بالإسلام أو بالعهد فيخرج الحربي ويدخل الذمي ، فما روي عن ابن جبير من كون المراد بالنفس المذكورة النفس المؤمنة ليس في محله (إِلَّا بِالْحَقِ) استثناء مفرغ من أعم الأحوال أي لا تقتلوها في حال من الأحوال إلا حال ملابستكم بالحق الذي هو أمر الشرع بقتلها ، وذلك كما ورد في الخبر بالكفر بعد الإيمان والزنا بعد الإحصان وقتل النفس المعصومة أو من أعم الأسباب أي لا تقتلوها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق وهو ما في الخبر أو من أعم المصادر أي لا تقتلوها قتلا إلا قتلا كائنا وهو القتل بأحد المذكورات (ذلِكُمْ) أي ما ذكر من التكاليف الخمسة الجليلة الشأن من بين التكاليف الشرعية (وَصَّاكُمْ بِهِ) أي طلبه منكم طلبا مؤكدا ، والجملة الاسمية استئناف جيء به تجديدا للعهد وتأكيدا لإيجاب المحافظة على ما كلفوه. وقال الإمام : جيء بها لتقريب القبول إلى القلب لما فيها من اللطف والرحمة (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أي تستعملون عقولكم التي تعقل نفوسكم وتحبسها عن مباشرة القبائح المحرمة.
(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ) أي لا تتعرضوا له بوجه من الوجوه (إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي بالفعلة التي هي أحسن ما يفعل بماله كحفظه وتثميره ، وقيل : المراد لا تقربوا ماله إلا وأنتم متصفون بالخصلة التي هي أحسن الخصال في مصلحته فمن لم يجد نفسه على أحسن الخصال ينبغي أن لا يقربه وفيه بعد ؛ والخطاب للأولياء والأوصياء لقوله تعالى : (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) فإنه غاية لما يفهم من الاستثناء لا للنهي كأنه قيل : احفظوه حتى يبلغ فإذا بلغ فسلموه إليه كما في قوله سبحانه : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) [النساء : ٦] والأشد ـ على ما قال الفراء ـ جمع لا واحد له. وقال بعض البصريين : هو مفرد كآنك ولم يأت في المفردات على هذا الوزن غيرهما. وقيل : هو جمع شدة كنعمة وأنعم ، وقدر فيه زيادة الهاء لكثرة جمع فعل على أفعل كقدح وأقدح.
وقال ابن الأنباري : إنه جمع شد بضم الشين كود وأود. وقيل : جمع شد بفتحها. وأيا ما كان فهو من الشدة أي القوة أو الارتفاع من شد النهار إذا ارتفع. ومنه قول عنترة :
عهدي به شد النهار كأنما |
|
خضب البنان ورأسه بالعظلم |
والمراد ببلوغ الأشد عند الشعبي. وجماعة بلوغ الحلم. وقيل : أن يبلغ ثماني عشرة سنة ، وقال السدي : أن يبلغ ثلاثين إلا أن الآية منسوخة بقوله تعالى : (حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) [النساء : ٦] وقيل : غير ذلك. وقد تقدم الخلاف في زمن دفع مال اليتيم إليه وأشبعنا الكلام في تحقيق الحق في ذلك فتذكر (وَأَوْفُوا) أي أتموا (الْكَيْلَ) أي المكيل فهو مصدر بمعنى اسم المفعول (وَالْمِيزانَ) كذلك ـ كما قال أبو البقاء ـ وجوز أن يكون هناك مضاف محذوف أي مكيل الكيل وموزون الميزان (بِالْقِسْطِ) أي بالعدل وهو في موضع الحال من ضمير (أَوْفُوا) أي مقسطين. وقال أبو البقاء : يجوز أن يكون حالا من المفعول أي تاما. ولعل الإتيان بهذه الحال للتأكيد.
وفي التفسير الكبير فإن قيل : إيفاء الكيل والميزان هو عين القسط فما الفائدة من التكرير؟ قلنا : أمر الله تعالى المعطى بإيفاء ذي الحق حقه من غير نقصان وأمر صاحب الحق بأخذ حقه من غير طلب الزيادة فتدبر.
(لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) إلا ما يسعها ولا يعسر عليها. والجملة مستأنفة جيء بها عقيب الأمر بإيفاء