فأبدل أحد حرفي التضعيف ياء (بِغُرُورٍ) أي بما غرهما به من القسم أو متلبسين به ، فالباء للمصاحبة أو الملابسة. والجار والمجرور حال من الفاعل أو المفعول. وجعل بعضهم الغرور مجازا عن القسم لأنه سبب له ولا حاجة إليه ، وسبب غرورهما على ما قاله غير واحد أنهما ظنا أن أحدا لا يقسم بالله تعالى كاذبا ورووا في ذلك خبرا. وظاهر هذا أنهما صدقا ما قاله فأقدما على ما نهيا عنه.
وذهب كثير من المحققين أن التصديق لم يوجد منهما لا قطعا ولا ظنا. وإنما أقدما على المنهي عنه لغلبة الشهوة كما نجد من أنفسنا أن نقدم على الفعل إذا زين لنا الغير ما نشتهيه وإن لم نعتقد أن الأمر كما قال : ولعل كلام اللعين على هذا من قبيل المقدمات الشعرية أثار الشهوة حتى غلبت ونسي معها النهي فوقع الإقدام من غير روية ، وقال القطب : يمكن أن يقال إن اللعين لما وسوس لهما بقوله : (ما نَهاكُما) إلخ فلم يقبلا منه عدل إلى اليمين على ما قال سبحانه (وَقاسَمَهُما) فلم يصدقاه أيضا فعدل بعد ذلك إلى شيء آخر وكأنه أشار إليه سبحانه بقوله تعالى : (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) وهو أنه شغلهما باستيفاء اللذات حتى صارا مستغرقين بها فنسي النهي كما يشير إليه قوله تعالى : (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [طه : ١١٥] وجعل العتاب الآتي عى ترك التحفظ فتدبر (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ) أي أكلا منها أكلا يسيرا (بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) قال الكلبي : تهافت عنهما لباسهما فأبصر كل منهما عورة صاحبه فاستحيا (وَطَفِقا) أخذا وجعلا فهو من أفعال الشروع وكسر الفاء فيه أفصح من فتحها وبه قرأ أبو السمال (يَخْصِفانِ) أي يرقعان ويلزقان ورقة فوق ورقة ، وأصل معنى الخصف الخرز في طاقات النعال ونحوها بإلصاق بعضها ببعض. وقيل أصله الضم والجمع (عَلَيْهِما) أي على سوآتها أو على بدنهما ففي الكلام مضاف مقدر. وقيل : الضمير عائد على «سوءاتهما».
(مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) وكان ذلك بعض ورق التين على ما روي عن قتادة. وقيل : الموز وقرأ الزهري (يَخْصِفانِ) من أخصف ، وأصله خصف إلا أنه ـ كما قال الجاربردي ـ نقل إلى أخصف للتعدية ، وضمن الفعل لذلك معنى التصيير فصار الفاعل في المعنى مفعولا للتصيير علا لأصل الفعل فيكون التقدير يخصفان أنفسهما أي يجعلان أنفسهما خاصفين عليهما من ورق الجنة فحذف مفعول التصيير. وجوز بعضهم كون خصف واخصف بمعنى. وقرأ الحسن «يخصّفان» بفتح الياء وكسر الخاء وتشديد الصاد من الافتعال ، وأصله يختصفان سكنت التاء وأدغمت ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين. وقرأ يعقوب بفتحها وقرئ «يخصّفان» من خصف المشدد بفتح الخاء وقد ضمت اتباعا للياء وهي قراءة عسرة النطق (وَناداهُما رَبُّهُما) بطريق العتاب والتوبيخ (أَلَمْ أَنْهَكُما) تفسير للنداء فلا محل له من الإعراب أو معمول لقول محذوف أي وقال أو قائلا : ألم أنهكما (عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ) إشارة إلى الشجرة التي نهيا عن قربانها ، والتثنية لتثنية المخاطب.
(وَأَقُلْ لَكُما) عطف على «أنهكما» أي ألم أقل لكما (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) أي ظاهر العداوة ، وهذا ـ على ما قيل : عتاب وتوبيخ على الاغترار بقول العدو كما أن الأول عتاب على مخالفة النهي. ولم يحك هذا القول هاهنا ، وقد حكي في سورة بقوله سبحانه : (إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ) [طه : ١١٧] الآية و (لَكُما) متعلق بعدو لما فيه من معنى الفعل أو بمحذوف وقع حالا منه.
واستدل بعضهم بالآية على أن مطلق النهي للتحريم لما فيها من اللوم الشديد مع الندم والاستغفار المفهوم مما يأتي. والأكثرون على أن النهي هنا للتنزيه وندمهما واستغفارهما على ترك الأولى وهو في نظرهما عظيم وقد يلام عليه أشد اللوم إذا كان فاعله من المقربين (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) أي ضررناها بالمعصية ، وقيل : نقصناها حظها