بالتعرض للإخراج من الجنة ، وحذفا حرف النداء مبالغة في التعظيم لما أن فيه طرفا من معنى الأمر.
(وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا) ذلك بعدم العقاب عليه (وَتَرْحَمْنا) بالرضا علينا ، وقيل : المراد وإن لم تستر علينا بالحفظ عما يتسبب نقصان الحظ وترحمنا بالتفضل علينا بما يكون عوضا عما فاتنا (لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) جواب قسم مقدر دل على جواب الشرط السابق على ما قبل. واستدل بالآية على أن الصغائر يعاقب عليها مع اجتناب الكبائر إن لم يغفر الله تعالى. وذهبت المعتزلة إلى أن اجتناب الكبائر يوجب تكفير الصغائر وإن لم يتب العبد منها ، وجعلوا لذلك ما ذكر هنا جاريا على عادة الأولياء والصالحين في تعظيمهم الصغير من السيئات وتصغيرهم العظيم من الحسنات فلا ينافي كونهما مغفورا لهما ، والكثير من أهل السنة جعلوه من باب هضم النفس بناء على أن ما وقع كان عن نسيان ولا كبيرة ولا صغيرة معه. وادعى الإمام أن ذلك الإقدام كان صغيرة ، وكان قبل نبوة آدم عليهالسلام إذ لا يجوز على الأنبياء عليهمالسلام بعد النبوة كبيرة ولا صغيرة ، والكلام في هذه المسألة مشهور (قالَ) استئناف كما مر مرارا (اهْبِطُوا) المأثور عن كثير من السلف أنه خطاب لآدم وحواء عليهماالسلام وإبليس عليه اللعنة ، وكرر الأمر له تبعا لهما إشارة إلى عدم انفكاكه عن جنسهما في الدنيا أو أن الأمر وقع مفرقا وهذا نقل له بالمعنى وإجمال له كما في قوله تعالى (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) [المؤمنون : ٥١] وقيل : إن الأمر بالنسبة إلى اللعين غير ما تقدم فإنه أمر له بالهبوط من حيث وسوس.
واختار الفراء كونه خطابا لهما ولذريتهما وفيه خطاب المعدوم ، وقيل : إنه لهما فقط لقوله سبحانه : (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً) [طه : ١٢٣] والقصة واحدة ، وضمير الجمع لكونهما أصل البشر فكأنهم هم ومن الناس من قال : إن مختار الفراء هو هذا ، وقيل : إنه لهما ولإبليس والحية. واعترض وأجيب بما مر في سورة البقرة ، والظاهر من النظم الكريم أن آدم عليهالسلام عاجله ربه سبحانه بالعتاب والتوبيخ على فعله ولم يتخلل هناك شيء ، ونقل الأجهوري عن حجة الإسلام الغزالي أنه عليهالسلام لما أكل من الشجرة تحركت معدته لخروج الفضلة ولم يكن ذلك مجعولا في الجنة في شيء من أطعمتها إلا في تلك الشجرة فلذلك نهي عن أكلها فجعل يدور في الجنة فأمر الله تعالى ملكا يخاطبه فقال له : أي شيء تريد يا آدم؟ قال : أريد أن أضع ما في بطني من الأذى فقال له : في أي مكان تضعه أعلى الفرش أم على السرر أم في الأنهار أم تحت ظلال الأشجار هل ترى هاهنا مكانا يصلح لذلك ثم أمره بالهبوط وأنا لا أرى لهذا الخبر صحة ، ومثله ما روي عن محمد بن قيس قال : إنه عليهالسلام لما أكل من الشجرة ناداه ربه يا آدم لم أكلت منها وقد نهيتك قال : أطعمتني حواء فقال سبحانه : يا حواء لم أطعمتيه؟ قالت أمرتني الحية فقال للحية : لم أمرتها؟ قالت : أمرني إبليس فقال الله تعالى : أما أنت يا حواء فلأدمينّك كل شهر كما أدميت الشجرة. وأما أنت يا حية فأقطع رجليك فتمشين على وجهك وسيشدخ وجهك كل من لقيك. وأما أنت يا إبليس فملعون.
(بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) في موضع الحال من فاعل «اهبطوا» وهي حال مقارنة أو مقدرة ، واختار بعض المعربين كون الجملة استئنافية كأنهم لما أمروا بالهبوط سألوا كيف يكون حالنا؟ فأجيبوا بأن بعضكم لبعض عدو ، وأمر العداوة على تقدير دخول الشيطان في الخطاب ظاهر ، وأما على تقدير التخصيص بآدم وحواء عليهماالسلام فقد قيل : إنه باعتبار أن يراد بهما ذريتهما إما بالتجوز كإطلاق تميم على أولاده كلهم أو يكتفى بذكرهما عنهم ، واختار بعضهم كون العداوة هنا بمعنى الظلم أي يظلم بعضكم بعضا بسبب تضليل الشيطان فليفهم.
(وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) أي استقرار أو موضع استقرار فهو إما مصدر ميمي أو اسم مكان. وجوز أن يكون اسم مفعول بمعنى ما استقر ملككم عليه وجاز تصرفكم فيه. ولا يخفى أنه خلاف الظاهر ومحتاج إلى الحذف