وضموا أعينهم عنها ونبذوها وراء ظهورهم ولم يكتسوا بحلل مقتضاها ولم يعملوا به (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ) أي لأرواحهم إذا ماتوا (أَبْوابُ السَّماءِ) كما تفتح لأرواح المؤمنين. أخرج أحمد ، والنسائي ، والحاكم وصححه ، والبيهقي ، وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل صالحا قال : اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب راض غير غضبان فلا تزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال : من هذا؟ فيقولون : فلان بن فلان فيقال : مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ادخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب راض غير غضبان فلا تزال يقال لها ذلك حتى تنتهي إلى السماء السابعة وإذا كان الرجل سوءا قالت اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث اخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج فلا تزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال : من هذا؟ فيقولون : فلان بن فلان. فيقال : لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ارجعي ذميمة لا تفتح لك أبواب السماء فترسل من السماء ثم تصير إلى القبر» والأخبار في ذلك كثيرة وقيل : لا تفتح لأعمالهم ولا لدعائهم أبواب السماء.
وروي ذلك عن الحسن ، ومجاهد ، وقيل : لا تفتح لأرواحهم ولا لأعمالهم. وروي ذلك عن ابن جريج. وقيل : المراد لا يصعد لهم عمل ولا تنزل عليهم البركة. وكون السماء لها أبواب تفتح للأعمال الصالحة والأرواح الطيبة قد تفتحت له أبواب القبول للنصوص الواردة فيه وهو أمر ممكن أخبر به الصادق فلا حاجة إلى تأويله. وكون السماء كروية لا تقبل الخرق والالتئام مما لا يتم له دليل عندنا. وظاهر كلام أهل الهيئة الجديد جواز الخرق والالتئام على الأفلاك. وزعم بعضهم أن القول بالأبواب لا ينافي القول بامتناع الخرق والالتئام وفيه نظر كما لا يخفى. والتاء في (تُفَتَّحُ) لتأنيث الأبواب والتشديد لكثرتها لا لكثرة الفعل لعدم مناسبة المقام. وقرأ أبو عمرو بالتخفيف ، وحمزة ، والكسائي به وبالياء التحتية ، وروي ذلك عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأن التأنيث غير حقيقي والفعل مقدم مع وجود الفاصل.
وقرئ على البناء للفاعل ونصب الأبواب بالتاء الفوقية على أن الفعل مسند إلى الآيات مجازا لأنها سبب لذلك. وبالياء على أنه مسند إلى الله تعالى : (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) يوم القيامة (حَتَّى يَلِجَ) أي يدخل (الْجَمَلُ) هو البعير إذا بزل. وجمعه جمال وأجمال وجمالة ويجمع الأخير على جمالات. وعن ابن مسعود أنه سئل عن الجمل فقال : هو زوج الناقة.
وعن الحسن أنه قال : ابن الناقة الذي يقوم في المربد على أربع قوائم. وفي ذلك استجهال للسائل وإشارة إلى أن طلب معنى آخر تكلف. والعرب تضرب به المثل في عظم الخلقة فكأنه قيل : حتى يدخل ما هو مثل في عظم الجرم (فِي سَمِّ الْخِياطِ) أي ثقبة الإبرة وهو مثل عندهم أيضا في ضيق المسلك وذلك مما لا يكون فكذا ما توقف عليه بل لا تتعلق به القدرة لعدم إمكانه ما دام العظيم على عظمه والضيق على ضيقه. وهي إنما تتعلق بالممكنات الصرفة. والممكن الولوج بتصغير العظيم أو توسيع الضيق. وقد كثر في كلامهم مثل هذه الغاية فيقولون : لا أفعل كذا حتى يشيب الغراب وحتى يبيض القار وحتى يئوب القارظان ومرادهم لا أفعل كذا أبدا. وقرأ ابن عباس وابن جبير ، ومجاهد ، وعكرمة ، والشعبي (الْجَمَلُ) بضم الجيم وفتح الميم المشددة كالقمل.
وقرأ عبد الكريم ، وحنظلة ، وابن عباس ، وابن جبير في رواية أخرى (الْجَمَلُ) بالضم والفتح مع التخفيف كنغر.