وفي رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قرأ (الْجَمَلُ) بضم الجيم وسكون الميم كالقفل و (الْجَمَلُ) بضمتين كالنصب ، وقرأ أبو السمال «الجمل» بفتح الجيم وسكون الميم كالحبل ، وفسر في جميع ذلك بالحبل الغليظ من القنب. وقيل : هو حبل السفينة. وقرئ «في سم» بضم السين وكسرها وهما لغتان فيه والفتح أشهر ، ومعناه الثقب الصغير مطلقا. وقيل : أصله ما كان في عضو كأنف وأذن ، وقرأ عبد الله «في سم الخياط» بكسر الميم وفتحها وهو والخياط ما يخاط به كالحزام والمحزم والقناع والمقنع (وَكَذلِكَ) أي مثل ذلك الجزاء الفظيع (نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) أي جنسهم وأولئك داخلون فيه دخولا أوليا ، وأصل الجرم قطع الثمرة عن الشجرة ، ويقال : أجرم صار ذا جرم كأتمر وأثمر ، ويستعمل في كلامهم لاكتساب المكروه ، ولا يكاد يقال للكسب المحمود.
(لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ) أي فراش من تحتهم ، وتنوينه للتفخيم وهو فاعل الظرف أو مبتدأ ، والجملة إما مستأنفة أو حالية ، ومن تجريدية ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع حالا من (مِهادٌ) لتقدمه (وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) أي أغطية جمع غاشية ، وعن ابن عباس ، ومحمد بن كعب القرظي أنها اللحف. والآية ـ على ما قيل ـ مثل قوله تعالى (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) [الزمر : ١٦] والمراد أن النار محيطة به من جميع الجوانب وأخرج ابن مردويه عن عائشة أن النبي صلىاللهعليهوسلم تلا هذه الآية ثم قال : «هي طبقات من فوقه وطبقات من تحته لا يدري ما فوقه أكثر أو ما تحته غير أنه ترفعه الطبقات السفلى وتضعه الطبقات العليا ويضيق فيما بينهما حتى يكون بمنزلة الزج في القدح» وتنوين (غَواشٍ) عوض عن الحرف المحذوف أو حركته ، والكسرة ليست للإعراب وهو غير منصرف لأنه على صيغة منتهى الجموع ، وبعض العرب يعربه بالحركات الظاهرة على ما قبل الياء لجعلها محذوفة نسيا منسيا ، ولذا قرئ «غواش» بالرفع كما في قوله تعالى : (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ) [الرحمن : ٢٤] في قراءة عبد الله.
(وَكَذلِكَ) أي ومثل ذلك الجزاء الشديد (نَجْزِي الظَّالِمِينَ) عبر عنهم بالمجرمين تارة وبالظالمين أخرى للتنبيه على أنهم بتكذيبهم بالآيات واستكبارهم عنها جمعوا الصفتين. وذكر الجرم مع الحرمان من الجنة والظلم مع التعذيب بالنار تنبيها على أنه أعظم الإجرام. ولا يخفى على المتأمل في لطائف القرآن العظيم ما في إعداد المهاد والغواشي لهؤلاء المستكبرين عن الآيات ومنعهم من العروج إلى الملكوت وتقييد عدم دخولهم الجنة بدخول البعير بخرق الإبرة من اللطافة فليتأمل (وَالَّذِينَ آمَنُوا) أي بآياتنا ولم يكذبوا بها (وَعَمِلُوا) الأعمال (الصَّالِحاتِ) ولم يستكبروا عنها (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أي ما تقدر عليه بسهولة دون ما تضيق به ذرعا ، والجملة اعتراض وسط بين المبتدأ وهو الموصول والخبر الذي هو جملة (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ) للترغيب في اكتساب ما يؤدي إلى النعيم المقيم ببيان سهولة مناله وتيسر تحصيله.
وقيل : المعنى لا نكلف نفسا إلا ما يثمر لها السعة أي جنة عرضها السماوات والأرض وهو خلاف الظاهر وإن كانت الآية عليه لا تخلو عن ترغيب أيضا. وجوز أن يكون اسم الإشارة بدلا من الموصول وما بعده خبر المبتدأ ، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في الفضل والشرف.
وجوز أيضا أن تكون جملة (لا نُكَلِّفُ) إلخ خبر المبتدأ بتقدير العائد أي منهم وقوله سبحانه : (هُمْ فِيها خالِدُونَ) حال من (أَصْحابُ الْجَنَّةِ) ، وجوز كونه حالا من (الْجَنَّةِ) لاشتماله على ضميرها أيضا. والعامل فيها معنى الإضافة أو اللام المقدرة ، وقيل. خبر لأولئك على رأي من جوزه. و (فِيها) متعلق بخالدون قدم عليه رعاية للفاصلة.