وقد عرفت : إن دفع التنافي بحمل الجر على الجوار ، لا يليق بالاعتبار (١) ، وإن من حملة على مسح الخفين (رجع بخفي حنين) (٢).
وإن حمل الغسل على الخفيف منه الشبيه بالمسح ـ كما فعله الزمخشري ـ يشهد ببطلانه (٣) القطع بأن أهل الشرع لا يعدونه مسحا حقيقة ، ويفرقون بين مفهومه ومفهوم المسح باشتراط الجريان فيه خاصة (٤).
__________________
(١) راجع هامش رقم ١٣ ص ٤٢٨ ، ففيه بيان المواضع الخاصة بالرد على الجر بالمجاورة في هذه الرسالة.
(٢) في حاشية ر : قال الجوهري : قولهم : (بخفي حنين). قال ابن السكيت ، عن أبي اليقضان : كان حنين رجلا شديدا ، ادعى إلى أسد بن هاشم بن عبد مناف ، فأتى عبد المطلب وعليه خفان أحمران ، فقال يا عم أنا ابن أسد بن هاشم! فقال عبد المطلب : لا وثياب هاشم ، ما أعرف شمائل هاشم فيك ، فارجع. فقالوا له : رجع حنين بخفيه ، (انظر : ترتيب إصلاح المنطق لابن السكيت : ١٣٥ ـ حنى (باختلاف يسير)) فصار مثلا.
وقال غيره : هو اسم أسكاف من أهل الحيرة ، ساومه أعرابي بخفين ، فلم يشترهما ، فغاضه ذلك ، وعلق أحد الخفين في طريقه ، وتقدم فطرح الآخر ، وكمن له ، وجاء الأعرابي فرأى الخفين ، فقال : ما أشبه هذا بخف حنين! لو كان معه آخر لاشتريته ، فتقدم فرأى الخف الثاني مطروحا في الطريق ، فنزل وعقل بعيره ورجع إلى الأول ، فذهب الإسكاف براحلته ، وجاء (الأعرابي) إلى الحي بخفي حنين. انتهى. منه سلمه الله.
أنظر : الصحاح للجوهري ٥ / ٢١٠٥ مادة حنين ، ومجمع الأمثال ، الطبعة القديمة ١ / ٢٩٦ رقم ١٥٦٨ ـ حرف الراء ـ والطبعة المحققة في بيروت ٢ / ٤٠ ، والمستقصى في أمثال العرب ـ للزمخشري ـ ٢ / ١٠٠ رقم ٣٥٥ ـ الراء مع الجيم ـ ١ / ١٠٥ رقم ٤١٩ ـ الهمزة مع الخاء ـ.
والمثل المذكور يضرب عند اليأس من الحاجة والرجوع بالخيبة ، وهو كما ترى ، منطبق تمام الانطباق على من يقول بمسح الخفين في قراءة الجر! فكما أن الأعرابي الجلف رجع بخفيه دون راحلته ، فهذا أسوأ منه حالا إذ طهر جلد غيره دون رجله!! فكلاهما راجع بالخيبة والخسران ، إلا أن ماسح الخف أشد وأولى.
(٣) في م : يشهد بطلانه.
(٤) وقد مر هذا مفصلا في موضعين وهما في ص ٣٨٧ مع الهامش رقم ٥ ، وص ٣٩٢ مع الهامش رقم ٦ ، فراجع لا سيما الموضع الثاني منهما.