وأما الواجبات فكانت معروفة متداولة بينهم من حين إسلامهم ، يفعلونه في وضوئهم ، فلم يحتاجوا إلى بيانها.
ومما يؤكد ذلك ، أنهما (١) لم يعينا في الحديثين وأمثالهما ، واجب الوضوء من مندوبه ، لأن واجباته كانت معروفة عندهم (٢).
ولولا ما قلناه ، لوجب أن يميزوا الواجب من الندب ليفعل كل واحد على وجهه ، وإلا كان (٣) هذا البيان إيقاعا لهم في الجهل كما لا يخفى ولهذا لم يقل أحد بوجوب التثليث (٤) ، والمضمضة ونحوهما (٥). فكذلك غسل الرجلين.
إن قلت : لعل من تعلم بيان ذلك الوضوء ، علم استحباب الأمور الذكورة من موضع آخر فلهذا (٦) لم يميزها عن الواجبات.
__________________
(١) أي : عثمان بن عفان ، وعبد الله بن زيد ، لحكايتهما آنفا وضوء النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) كما تقدم في الحديثين المرقمين (٢) و (٣) ، ويحتمل ارجاع الضمير إلى الصحابة والتابعين الواقعين في سند الحديثين بقرينة قوله الآتي : لوجب أن يميزوا.
(٢) إذ لا يعقل عدم معرفتهم بها وهم يرون النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، يتوضأ عدة مرات في اليوم الواحد ، بما لو جمعت وضوءاته (صلىاللهعليهوآلهوسلم ابتداء من البعثة المشرفة إلى الوفاة لزادت على أربعين ألف وضوء ، هذا مع تقدير خمس وضوءات في اليوم الواحد من أيامه المباركة ، فكيف تجهل مثل هذه السنة الفعلية ، لولا السياسة الأموية ودعمها للوضوء البدعي الذي ما أنزل الله به من سلطان؟!
(٣) في ر : لكان وهو صحيح أيضا.
(٤) التثليث مستحب عند العامة ، وبه قال الشافعي ، وأحمد ، وأصحاب الرأي.
أنظر : بداية المجتهد ١ / ١٣ ، وبدائع الصنائع ١ / ٢٢ ، والمغني ١ / ١٥٩ ، والمجموع ١ / ٤٣١ ، وفتح الباري ١ / ٢٠٩ ، وعند الشيعة الإمامية مبطل للوضوء.
(٥) المضمضة والاستنشاق ثلاث مرات قبل الوضوء ، من المستحبات عند الشيعة الإمامية ، وليست واجبة ، والظاهر أنها كذلك عند العامة ، إذ لم أقف على مصرح بوجوبها ، وإن كانوا يواضبون عليها.
(٦) في ر : فلماذا ، وما في م هو الأنسب.