فهذا أول دليل على وضع الحديث (١).
__________________
(١) الحديث الموضوع : هو المختلق المجعول ، ويعرف إما بإقرار الواضع نفسه واعترافه ، أو بما هو شبيه بالإقرار ، وإما بقرينة ـ كركاكة الألفاظ مثلا ـ ما لم يكن النقل بالمعنى ، أو بمخالفته لدلالة الكتاب العزيز ، أو السنة المتواترة ، أو ذليل العقل ، أو إجماع أهل الحق وهم شيعة أهل البيت (عليهالسلام) ، أو أن يكون الإخبار فيه عن أمر جسيم تتوفر الدواعي على نقله بمحضر الجمع ، ثم لا ينقله غير واحد ، كما في هذا الحديث المروي عن ابن عمرو فقط ، وإما بالإفراط بالوعيد الشديد على الأمر الصفير ، أو الوعد العظيم على الفعل الحقير ، ومنها كون الراوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، الذي كان كأبيه في بغض الوصي ونصرة الدعي ، وكان ممن استماله معاوية فقدم معه إلى الكوفة ، والمعروف أن معاوية كان على سنة عثمان في وضوئه البدعي الذي ما نزل الله به من سلطان.
إلى غير ذلك من الأمور الأخرى المذكورة في كتب الدراية في مجال معرفة الموضوعات.
ولا بأس هنا بإلقاء نظرة سريعة على سند الحديث.
إن سند الحديث في صحيح مسلم هو هذا : حدثني زهير بن حرب ، حدثنا جرير ، ح.
وحدثنا إسحاق ، أخبرنا جرير ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن أبي يحيى ، عن عبد الله بن عمرو.
فهذا السند له شعبتان ، إحداهما ابتدأت بزهير بن حرب ، والأخرى بإسحاق وكلاهما من مشايخ مسلم صاحب الصحيح.
أما زهير بن حرب بن شداد ، فهو أبو خيثمة الحرشي ولد سنة ١٦٠ ه ومات سنة ٢٣٤ ه ، في خلافة المتوكل ، وثقه العامة كثيرا وعدوه من نظرا أحمد بن حنبل وابن معين ، ولم يضعفه أحد منهم.
أنظر : سير أعلام النبلاء ١١ / ٤٨٩ رقم ١٣٠ ، وتهذيب التهذيب ٣ / ١٩٦ رقم ٦٣٧ ، ومع هذا يمكن الخدش فيه ، إذ اعترف ـ بجهل ـ على نفسه بأنه صار مرتدا عن الإسلام لما أجاب المأمون العباسي بما يريد حين امتحنه بمسألة خلق القرآن! كما نص على ذلك ابن عساكر الدمشقي في تبيين كذب المفتري : ٣٥٢ ـ ٣٥٣.
مع أنه لم يرتد عن الإسلام بهذا ، ولكن لجهله بالمسألة أولا ، وعدم معرفته حكم التقية على ما خالف الاعتقاد ظاهرا عند الاكراه ثانيا ، جعل قوله ملزما للردة ، ومن يك هذا علمه ، فالوثاقة ـ على تقدير ثبوتها ـ غير كافية في قبول مروياته مطلقا من غير فحص ، إذ قد يستغل في ترويج الباطل خصوصا وأنه عاش في العصر العباسي الأول وامتد به العمر إلى زمان