وهذا مما يقتضي العجب ، لأن في مسانيد التابعين وتابعيهم ما لا يمكن تصديقه لمخالفته للواقع ، مع وجود الكثير جدا من التناقض والتضاد في مروياتهم لا سيما التفسيرية كما يظهر من تفسير الطبري بلا أدنى تأمل ، فكيف الحال مع مراسيلهم إذن؟!
وهكذا هو شأن القياس في جميع أحواله ، فكيف لو كان المقيس عليه (وهو عدالة الصحابة) سرابا لا عين له ولا أثر؟!
وربما قد يتمسك بعضهم بحديث : «خيركم قرني ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ...» (١) ، وهو على فرض صحته لا يدل على أكثر من المدح المتوجه لمن قرب من عصر الرسالة وكان تقيا مؤمنا كما يدل عليه حديث : «خيركم في المائتين المؤمن» (٢) مع ما فيه من دلالة على ندرة المؤمنين وقتئذ.
أو كحديث : «أكرموا أصحابي ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يظهر الكذب» وهو ما احتج به الشافعي في رسالته (٣).
وفيه : إن هذا مرسل رواه سليمان بن يسار ، عن عمر ، وسليمان هذا وإن كان من التابعين إلا أنه لم يدرك عمر حتى يروي عنه لأنه مات سنة ١٠٧ ه عن ثلاث وسبعين سنة (٤) فتكون ولادته سنة ٣٤ ه بينما قتل عمر سنة ٢٣ ه.
__________________
(١) صحيح البخاري ٣ / ٢٢٤ باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد ، من كتاب الشهادات ، و ٨ / ١١٣ باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها ، من كتاب الدعوات ، وص ١٧٦ باب إثم من لا يفي بالنذر ، من كتاب الأيمان والنذور ، سنن أبي داود ٤ / ٢١٣ ـ ٢١٤ ح ٤٦٥٧.
(٢) أخرجه في موسوعة أطراف الحديث الشريف ٤ / ٦٦٢ ، عن أربعة مصادر.
(٣) الرسالة ـ للشافعي ـ : ٤٧٤ ـ ٤٧٥ رقم ١٣١٥.
(٤) تهذيب التهذيب ٤ / ٢٠٠ رقم ٣٩١.