الفرق ـ وهو لعمري غير خفي ـ بين مقام الحبيب ورتبة الصفي ، وقد قيل : إن المحب يعتذر عن حبيبه ولا ينقصه عنده كلام معيبه ، وأنشد :
ما حطك الواشون عن رتبة |
|
كلا وما ضرك مغتاب |
كأنهم أثنوا ولم يعلموا |
|
عليك عندي بالذي عابوا |
وقال الآخر :
في وجهه شافع يمحو إساءته |
|
عن القلوب ويأتي بالمعاذير |
وقال :
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد |
|
جاءت محاسنه بألف شفيع |
وقوله سبحانه : (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فيه إشارة إلى أن المؤمن إذا سمع بخبر خير طار إليه وأتاه ولو مشيا على رأسه ويديه ولا يفتح فيه فاه بالاستئذان ، وهل يستأذن في شرب الماء ظمآن؟.
وقال الواسطي : إن المؤمن الكامل مأذون في سائر أحواله إن قام قام بإذن وإن قعد قعد بإذن وإن لله سبحانه عبادا به يقومون وبه يقعدون ، ومن شأن المحبة امتثال أمر المحبوب كيفما كان :
لو قال تيها قف على جمر الغضى |
|
لوقفت ممتثلا ولم أتوقف |
(إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) إلخ أي إنما يستأذنك المنافقون رجاء أن لا تأذن لهم بالخروج فيستريحوا من نصب الجهاد (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً) فقد قيل :
لو صح منك الهوى أرشدت للحيل
(وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ) إشارة إلى خذلانهم لسوء استعدادهم (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) لأن الأخلاق السيئة والأعمال القبيحة محيطة بهم وهي النار بعينها غاية الأمر أنها ظهرت في هذه النشأة بصورة الأخلاق والأعمال وستظهر في النشأة الأخرى بالصورة الأخرى ، وقوله تعالى : (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى) فيه إشارة إلى حرمانهم لذة طعم العبودية واحتجابهم عن مشاهدة جمال معبودهم وأنهم لم يعلموا أن المصلي يناجي ربه وأن الصلاة معراج العبد إلى مولاه ، ومن هنا قال صلىاللهعليهوسلم «وجعلت قرة عيني في الصلاة». وقال محمد بن الفضل : من لم يعرف الآمر قام إلى الأمر على حد الكسل ومن عرف الآمر قام إلى الأمر على حد الاستغنام والاسترواح ، ولذا كان عليه الصلاة والسلام يقول لبلال : «أرحنا يا بلال» وقوله تعالى : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ) فيه تحذير للمؤمنين أن يستحسنوا ما مع أهل الدنيا من الأموال والزينة فيحتجبوا بذلك عن عمل الآخرة ورؤيتها ، وقد ذكروا أن الناظر إلى الدنيا بعين الاستحسان من حيث الشهوة والنفس والهوى يسقط في ساعته عن مشاهدة أسرار الملكوت وأنوار الجبروت ، وقوله سبحانه : (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) إلخ فيه ارشاد إلى آداب الصادقين والعارفين والمريدين ، وعلامة الراضي النشاط بما استقبله من الله تعالى والتلذذ بالبلاء ، فكل ما فعل المحبوب محبوب.
رئي أعمى أقطع مطروح على التراب يحمد الله تعالى ويشكره ، فقيل له في ذلك فقال : وعزته وجلاله لو قطعني إربا إربا ما ازددت له إلا حبا ، ولله تعالى در من قال :
أنا راض بالذي ترضونه |
|
لكم المنة عفوا وانتقاما |
ثم إنه سبحانه قسم جوائز فضله على ثمانية أصناف من عباده فقال سبحانه : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) إلخ ، والفقراء في قول المتجردون بقلوبهم وأبدانهم عن الكونين (وَالْمَساكِينِ) هم الذين سكنوا إلى جمال الأنس ونور