سيئات المقربين؟ ثم إنه سبحانه مثل الحياة في سرعة زوالها وانصرام نعيمها غب إقبالها واغترار صاحبها بها بما أشار إليه سبحانه بقوله جل وعلا : (كَماءٍ أَنْزَلْناهُ) إلخ وفيه إشارة إلى ما يعرض والعياذ بالله تعالى لمن سبقت شقاوته في الأزل من الحور بعد الكور فبينما تراه وأحواله حالية وأعوامه عن شوائب الكدر خالية وغصون أنسه متدلية ورياض قربه مونقة قلب الدهر له ظهر المجن وغزاه بجيوش المحن وهبت على هاتيك الرياض عاصفات القضاء وضاقت عليه فسيحات الفضاء وذهب السرور والإنس وجعل حصيدا كأن لم يغن بالأمس وأنشد لسان حاله :
قف بالديار فهذه آثارهم |
|
نبكي الأحبة حسرة وتشوقا |
كم قد وقفت بها أسائل مخبرا |
|
عن أهلها أو صادقا أو مشفقا |
فأجابني داعي الهوى في رسمها |
|
فارقت من تهوى فعز الملتقى |
(وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) وهو العالم الروحاني السليم من الآفات (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) لا شعوب فيه وهو طريق الوحدة. وقد يقال : يدعو الجميع إلى داره. ويهدي خواص العارفين إلى وصاله. أو يدعو السالكين إلى الجنة ويبدي المجذوبين إلى المشاهدة (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) وهم خواص الخواص (الْحُسْنى) وهي رؤية الله تعالى (وَزِيادَةٌ) وهي دوام الرؤية ، أو للذين جاءوا بما يحسن به حالهم من خير قلبي أو قالبي ، المثوبة الحسنى من الكمال الذي يفاض عليهم وزيادة في استعداد قبول الخير إلى ما كانوا عليه قبل ، وقد يقال : الحسنى ما يقتضيه قرب النوافل والزيادة ما يقتضيه قرب الفرائض (وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ) أي لا يصيبهم غبار الخجالة ولا ذل الفرقة (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ) التي تقتضيها أفعالهم (هُمْ فِيها خالِدُونَ) ثم ذكر سبحانه حال الذين أساءوا بقوله جل شأنه : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ) إلخ وأشار إلى أنه على عكس حال أولئك الكرام (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) في المجمع الأكبر (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا) منهم وهم المحجوبون الواقفون مع الغير بالمحبة والطاعة (مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) قفوا جميعا وانتظروا الحكم (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) أي قطعنا الأسباب التي كانت بينهم (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) بل كنتم تعبدون أشياء اخترعتموها في أوهامكم الفاسدة (فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) لم نطلبها منكم لا بلسان حال ولا بلسان قال (هُنالِكَ) أي في ذلك الموقف (تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ) أي تذوق وتختبر (ما أَسْلَفَتْ) في الدنيا (وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) المتولي لجزائهم بالعدل والقسط (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من اختراعاتهم وتوهماتهم الكاذبة وأمانيهم الباطلة. ثم ذكر سبحانه مما يدل على التوحيد ما ذكر ، والرزق من السماء عند العارفين هو رزق الأرواح ومن الأرض رزق الأشباح ، والحي عندهم العارف والميت الجاهل (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا) ذم لهم بعدم العلم بما يجب لمولاهم وما يمتنع وما يجوز ولا يكاد ينجو من هذا الذم إلا قليل ، ومنهم الذين عرفوه جل شأنه به لا بالفكر بل قد يكاد يقصر العلم عليهم فإن أدلة أهل الرسوم من المتكلمين وغيرهم متعارضه وكلماتهم متجاذبة فلا تكاد ترى دليلا سالما من قيل وقال ونزاع وجدال ، والوقوف على علم من ذلك مع ذلك أمر أبعد من العيوق وأعز من بيض الأنوق :
لقد طفت في تلك المعاهد كلها |
|
وسرحت طرفي بين تلك المعالم |
فلم أر إلا واضعا كف حائر |
|
على ذقن أو قارعا سن نادم |
فمن أراد النجاة فليفعل ما فعل القوم ليحصل له ما حصل لهم أولا فليتبع السلف الصالح فيما كانوا عليه في أمر دينهم غير مكترث بمقالات الفلاسفة ومن حذا حذوهم من المتكلمين التي لا تزيد طالب الحق إلا شكا (وَما كانَ