الشرطية وجيء بها في الجواب زيادة في ذلك لإفادتها تحقق ما بعدها عقيب ما يقتضيه بلا مهلة ، وآية الأعراف سيقت وعيدا لأهل مكة ، ومن البين أن محط الفائدة في إشعار أنه وعيد وأن ما هو أدخل في التخويف الجملة الشرطية ، لأنها النص في نزول العذاب عند حلول الأجل وأنه لا محيص لهم عن ذلك عنده دون (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) فقط فكان المقام مقام ربط ووصل فجيء بالفاء لتدل على ذلك وتؤذن باتحاد الجملتين في كونهما وعيدا ولمسامحته سبحانه في الوعيد لم يؤت بالفاء في الجواب انتهى. ولعل ما قدمناه ليس بالبعيد عنه من وجه وإن خالفه من وجه آخر ولكل وجهة والله تعالى أعلم بأسرار كتابه. (قُلْ) لهم بعد ما بينت لهم كيفية حالك وجريان سنة الله تعالى فيما بين الأمم على الإطلاق ونبهتهم على أن عذابهم أمر مقرر محتوم لا يتوقف إلا على مجيء أجله المعلوم إيذانا بكمال دنوه وتنزيلا له منزلة إتيانه حقيقة (أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ) الذي تستعجلون به ولعل استعمال (إِنْ) من باب المجاراة (بَياتاً) أي وقت بيات (أَوْ نَهاراً) أي عند اشتغالكم بمشاغلكم وإنما لم يقل ليلا ونهارا ليظهر التقابل لأن المراد الإشعار بالنوم والغفلة والبيات متكفل بذلك لأنه الوقت الذي يبيت فيه العدو ويوقع فيه ويغتنم فرصة غفلته وليس في مفهوم الليل هذا المعنى ولم يشتهر شهرة النهار بالاشتغال بالمصالح والمعاش حتى يحسن الاكتفاء بدلالة الالتزام كما في النهار ، وقد يقال : النهار كله محل الغفلة لأنه إما زمان اشتغال بمعاش أو زمان قيلولة بخلاف الليل فإن محل الغفلة فيه ما قارب وسطه وهو وقت البيات فلذا خص بالذكر ، والبيات جاء بمعنى البيتوتة وبمعنى التبييت كالسلام بمعنى التسليم والمعنى المراد هنا مبني على هذا (ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) أي أي شيء يستعجلون من العذاب وليس شيء منه يوجب الاستعجال لما أن كله مكروه من المذاق موجب للنفار ، فمن للتبعيض والضمير للعذاب والتنكير في شيء للفردية ، وجوز أن يكون المعنى على التعجيب وهو مستفاد من المقام كأنه قيل : أي هول شديد يستعجلون منه ، فمن بيانية وتجريدية بناء على عد الزمخشري لها منها ، وقيل : الضمير لله تعالى ، وعليه فالمعنى على الثاني ولكن تزول فائدة الإبهام والتفسير وما فيه من التفخيم.
وما قيل : إنه أبلغ على معنى هل تعرفون ما العذاب المعذب به هو الله سبحانه (١) فهو مشترك على التقديرين ألا ترى إلى قوله تعالى : (عَذابُهُ) ، و (ما ذا) بمعنى أي شيء منصوب المحل مفعولا مقدما وهو أولى من جعله مبتدأ ، ومن فعل قدر العائد ، ومن قال : إن ضمير (مِنْهُ) هو الرابط مع تفسيره بالعذاب جنح إلى أن المستعجل من العذاب فهو شامل للمبتدإ فيقوم مقام رابطه لأن عموم الخبر في الاسم الظاهر يكون رابطا على المشهور ففي الضمير أولى. وزعم أبو البقاء أن الضمير عائد إلى المبتدأ وهو الرابط وجعل ذلك نظير قولك : زيد أخذت منه درهما وليس بشيء كما لا يخفى ، والمراد من المجرمون المخاطبون ، وعدل عن الضمير إليه للدلالة على أنهم لجرمهم ينبغي أن يفزعوا من إتيان العذاب فضلا عن أن يستعجلوه ، وقيل : النكتة في ذلك إظهاره تحقيرهم وذمهم بهذه الصفة الفظيعة ، والجملة متعلقة ـ بأ رأيتم ـ على أنها استئناف بياني أو في محل نصب على المفعولية وعلق عنها الفعل للاستفهام ، وهو في الأصل استفهام عن الرؤية البصرية أو العلمية ثم استعمل بمعنى أخبروني لما بين الرؤية والأخبار من السببية والمسببية في الجملة فهو مجاز فيما ذكر وإليه ذهب الكثير ، وذهب أبو حيان إلى أن ذلك بطريق التضمين ولم يستعمل إلا في الأمر العجيب ، وجواب الشرط محذوف أي إن أتاكم عذابه في أحد ذينك الوقتين تندموا أو تعرفوا الخطأ أو فاخبروني ما ذا يستعجل منه المجرمون.
__________________
(١) قوله «هو الله سبحانه» كذا بخطه رحمهالله تعالى.