أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها» الحديث.
وقد قال غير واحد في معنى الشرطية فإذا أحببته كنت حافظا حواسه وجوارحه فلا يسمع ولا يبصر ولا يأخذ ولا يمشي إلا فيما أرضى وأحب وينقلع عن الشهوات ويستغرق في الطاعات ، وقريب منه قول الخطابي : المراد من ذلك توفيقه في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء ، يعني ييسر عليه فيها سبيل ما يحبه ويعصمه عن موافقة ما يكرهه من إصغاء إلى لهو يسمعه ونظر إلى ما نهي عنه ببصره وبطش بما لا يحل بيده وسعى في باطل برجله ، وكذا قول بعضهم المعنى أجعل سلطان حبي غالبا عليه حتى أسلب عنه الاهتمام بشيء غير ما يقربه إلي فيصير متخليا عن اللذات متجنبا عن الشهوات متى ما يتقلب وأينما يتوجه لقي الله تعالى بمرأى فيه ومسمع منه ويأخذ حب الله تعالى مجامع قلبه فلا يسمع ولا يرى ولا يفعل إلا ما يحبه ويكون له في ذلك عونا ومؤيدا ووكيلا يحمي جوارحه وحواسه فله وجه لأنه إذا وقعت المعصية يعلم أنه لم يكن محفوظا وبه يعلم أنه لم يكن محبوبا وبذلك يعلم أنه لم يكن متقربا إليه تعالى شأنه ومتقيا إياه حق تقاته وإن ظنه الناس كذلك فهو ليس من أوليائه سبحانه في نفس الأمر. نعم من اتصف بصفات الأولياء ظاهرا يجب تعظيمه واحترامه والتأدب معه والكف عن إيذائه بشيء من أنواع الإيذاء التي لا مسوغ لها شرعا كالإنكار عليه عنادا أو حسدا دون المنازعة في محاكمة أو خصومة راجعة لاستخراج حق أو كشف غامض ونحو ذلك لما دل عليه الحديث السابق المشتمل من تهديد المؤذي على الغاية القصوى والحكم على من ذكره لولاية إذا لم يكن هناك نص من معصوم على ما يدل على تحققها في نفس الأمر إنما هو بالنظر إلى الظاهر لا إلى ما عند الله تعالى لما أن من الذنوب ما لا يمكن أن يطلع عليه إلا علام الغيوب ومنها الذنوب القلبية التي هي أدواء قاتلة وسموم ناقعة مع أن الأعمال بخواتيمها وهي مجهولة إلا للمبدئ المعيد جل جلاله «هذا» وهو تحقيق يلوح عليه مخايل القبول ، ومن الناس من قسم الولاية إلى صغرى قد يقع فيها الذنب على الندرة لكن يبادر للتنصل منه فورا وعد العلامة ابن حجر عليه الرحمة من وقع منه الذنب كذلك فبادر للتنصل منه محفوظا فالوقوع عنده على الندرة مع المبادرة للتنصل لا ينافي الحفظ وإنما ينافيه تكرر الوقوع وكثرته وكذا ندرته مع عدم المبادرة للتنصل ، وكبرى لا يقع فيها الذنب أصلا مع إمكان الوقوع ولو قيل أو مع استحالته كما في ولاية الأنبياء عليهمالسلام وادعى أن ذلك من خصوصيات ولايتهم فيكون الحفظ أعم من العصمة لم يبعد. وأنت تعلم أن قولهم الأنبياء معصومون ظاهر في كون العصمة من توابع النبوة ومعللة بها وهو مخالف لتلك الدعوى كما لا يخفى ، وما ذكر من التقسيم حسن ويعلم منه أن الكثير ممن يدعي الولاية في زماننا أو تدعى له ليس له منها سوى الدعوى لإصراره والعياذ بالله تعالى على كبائر تقع منه في اليوم مرارا عافانا الله تعالى والمسلمين من ذلك. وقد جاء عن النبي صلىاللهعليهوسلم في تفسير الأولياء ما يظن أنه مخالف لما دلت عليه الآية في ذلك. فقد أخرج ابن المبارك ، والترمذي في نوادر الأصول وأبو الشيخ وابن مردويه وآخرون عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : قي : يا رسول الله من أولياء الله؟ قال : «الذين إذا رأوا ذكر الله تعالى» أي لحسن سمتهم وأخباتهم.
وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والبيهقي وجماعة عن أبي مالك الأشعري قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم إن الله تعالى عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله تعالى. قال أعرابي : يا رسول الله انعتهم لنا قال : «هم أناس من أفناء الناس ونوازع القبائل لم تصل بينهم أرحام متقاربة تحابوا في الله وتصافوا في الله يضع الله تعالى لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسون عليها يفزع الناس وهم لا يفزعون وهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون» ولا مخالفة في الحقيقة فإن ما أشير إليه من حسن السمت والإخبات والتحاب في الله تعالى