وجوز كون الموصول مبتدأ وهذه الجملة خبره ، وفي بعض الأخبار ما يؤيده ، و (الْبُشْرى) في الأصل الخبر بما يظهر السرور في بشرة الوجه ومثلها البشارة وتطلق على المبشر به من ذلك وإلى إرادة كل ذهب بعض ، والظرفان بعده على الأول متعلقان به وعلى الثاني في موضع الحال منه ، والعامل ما في الخبر من معنى الاستقرار أي لهم البشرى حال كونها في الدنيا وحال كونها في الآخرة أي عاجلة وآجلة ؛ أو من الضمير المجرور أي حال كونهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، والثابت في أكثر الروايات أن البشرى في الحياة الدنيا هي الرؤيا الصالحة التي هي جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة كما هو المشهور ، أو جزء من سبعين جزءا منها كما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عمر وأبي هريرة وهو وابن ماجة عن الأول. فقد أخرج الطيالسي وأحمد والدارمي والترمذي وابن ماجة والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي وغيرهم عن عبادة بن الصامت قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قوله سبحانه : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) قال : هي «الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له» وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود أنه سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ذلك فأجيب بما ذكر أيضا ، وأخرج من طريق أبي سفيان عن جابر مثلي ذلك ، وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ وأبو القاسم ابن مندة من طريق أبي جعفر عن جابر المذكور قال : أتى رجل من أهل البادية رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال: يا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخبرني عن قول الله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى) إلخ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم عليه الصلاة والسلام : «أما قوله تعالى : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) فهي الرؤيا الحسنة ترى للمؤمن فيبشر بها في دنياه أما قوله سبحانه : (وَفِي الْآخِرَةِ) فإنها بشارة المؤمن عند الموت أن الله قد غفر لك ولمن حملك إلى قبرك» وجاء مرفوعا وموقوفا عن غير واحد تفسيرها بما ذكر ، وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن البشرى في الحياة الدنيا هي قوله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) [الأحزاب : ٤٧] وعن الزجاج والفراء أنها هذا وما يشاكله من قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [يونس : ٢] وقوله سبحانه : (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ) [التوبة : ٢١] الآية ، وقوله جل وعلا : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة : ١٥٥] إلى غير ذلك ، وأخرج ابن أبي شيبة وغيره عن الضحاك أنه قال في ذلك : إنهم يعلمون أين هم قبل أن يموتوا. وجاء في تفسير البشرى في الآخرة ما سمعت في الخبر عن جابر الأخير.
وأخرج ابن جرير وغيره عن أبي هريرة مرفوعا أنها الجنة ، وعن عطاء أن البشرى في الدنيا أن تأتيهم الملائكة عند الموت بالرحمة قال الله تعالى : (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ) [فصلت : ٣٠] وأما البشرى في الآخرة فتلقى الملائكة إياهم مسلمين مبشرين بالفوز والكرامة وما يرون من بياض وجوههم وإعطاء الصحائف بأيمانهم وما يقرءون منها وغير ذلك من البشارات ، وقيل : المراد بالبشرى العاجلة نحو النصر والفتح والغنيمة والثناء الحسن والذكر الجميل ومحبة الناس وغير ذلك ، وأما البشرى الآجلة فغنية عن البيان ، وأنت تعلم أنه لا ينبغي العدول عما ورد عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في تفسير ذلك إذا صح وحيث عدل من عدل لعدم وقوفه على ذلك فيما أظن ، فالأولى أن يحمل البشرى في الدارين على البشارة بما يحقق نفي الخوف والحزن كائنا ما كان ، ويرشد إلى ذلك السباق ، ومن أجل ذلك بشرى الملائكة لهم بذلك وقتا فوقتا حتى يدخلوا الجنة ، وقد نطق الكتاب العزيز في غير موضع بهذه البشرى من الله تعالى علينا بها برحمته وكرمه (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) أي لا تغيير لأقواله التي من جملتها مواعيده الواردة بشارة للمؤمنين المتقين فيدخل فيها البشارات الواردة هاهنا دخولا أوليا ويثبت امتناع الأخلاف فيها لطفا وكرما ثبوتا قطعيا ، وأريد من عدم تبديل كلماته سبحانه على تقدير أن يراد من البشرى الرؤيا الصالحة عدم الخلف بينها وبين ما دل على ثبوتها ووقوعها فيما سيأتي بطريق الوعد من قوله تبارك اسمه : (لَهُمُ الْبُشْرى) لا عدم